من يحاول أن ينكر أن معظم حوارات الاستراحات ورسائل "الواتساب" وتغريدات تويتر في المملكة هي المصدر الأول للثقافة المجتمعية، فهو جاهل بمجتمعنا ولا يعلم عنه شيئاً!.. ومن يتجاهل بروز عقلية الانكفاء والانتصار للرأي التي تأسست من ذلك وأصبحت حاضرة حتى في الحوارات الإعلامية والمناسبات المجتمعية.. فهو غير مدرك لما يدور حوله. لن أطيل في تعداد أهم الموضوعات المطروحة في الاستراحات ووسائل التواصل، ولكن سأختصره بشأن واحد يعبر عن حالة الجمود الذهني وبما يجعل الثرثرة الفارغة عنواناً معبراً عن الحال السلبية التي نقصدها.. لتجد مثلاً أن معظم الاستراحات والمقاهي وحتى في المدارس والجامعات ومعظم الحديث عن كرة القدم.. يحللون ويشتمون ويتنبؤون في إطار توقع سلبي على فرقهم.. وكأن الآخرين فاسدون وهم الذين لا يأتيهم الباطل أبداً.. وهذا الأمر لا يقتصر على فريق صغير أو كبير.. يفعلون ذلك لأنهم يعيشون في إطار فكر المؤامرة من فرط السلبية التي عمّقها الفراغ الفكري وإدمان الحوارات التافهة، صنعوها حول أنفسهم وانتقلت لتسيطر حتى على انتماءاتهم الكروية. انظروا إلى مهرجي القنوات الرياضية، فهم في التفكير والمؤامرة نفسها واسألوا من أي استراحات قدموا، لتكون رسالتهم نشر ثقافة الثرثرة والتشاتم وتوقع المؤامرة، مهرجون لا يبرعون إلا في قلب الحقائق ومن ميزاتهم أيضاً أنهم يحسمون رأيهم في كل القضايا ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتمحيص يدّعون معرفة كل شيء.. وبعضهم الآخر تكوينه الفكري الضعيف الضحل لا يجعله مدركاً لما يرتكبه من مهازل أمام الكاميرا أو على مواقع التواصل.. لاحظوهم وهم كالأراجوزات الكل يتهم الكل بعدم الفهم، وأن الحق إلى جانبه.. تأملوا خلال تقافزهم ثقافة الاستراحات والمقاهي وستجدونها في تواصلهم الأعرج والسلبي الذي كثيراً ما يقترب من الشجار! بعد التساؤلات أعلاه والأمثلة تالياً نتأكد أن أولئك وفي المناحي جميعها وليست الرياضة وحدها هم تعبير عن الفكر الذي لم يتطور، وبما يجعلنا في أمس الحاجة إلى رؤية 2030 التي أنبأ بها وتبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك التي لا تعتمد على التغيير الاقتصادي فقط بل تمتد إلى التغيير السلوكي والمعرفي والتفاعلي مع المجتمع ومع العالم.. نحتاجها لكي تخرجنا من أزمة الثقافة الجامدة، تلك التي امتدت لتشمل شريحة واسعة من المتعلمين والإعلاميين وأساتذة المدارس والجامعات والباحثين والطلبة والموظفين ثقافة الاستراحات والتنظير المستمر ثقافة من يثرثرون ولا يصغون، هدفهم الانتصار بالحوار حتى لو كان يحاور عالماً في الذرة في تخصصه! المهم في القول إن رؤية 2030 لمن اطلع عليها جيداً ستقودنا لمستوى متفوق من المعرفة والوعي والثقافة.. تكون أساس اعتزاز المجتمع بما هو عليه، تؤسس لهوية معرفية راقية ومجتمع متمكن ثقافياً، وتصنع مناعة شخصية لمواجهة انفلات وتقلبات وتغيرات العالم المعرفية والثقافية والتقنية المتسارعة.