أهم أسباب تخلف الدول هي الثقافة السائدة في تلك المجتمعات وما لم يُعالج هذا الأمر فلن تتغير الأوضاع مهما تعددت الثورات أو الانقلابات لتغيير الأنظمة. والسؤال الذي طرحه الكاتب (ناصر الصرامي) في صفحة الرأي بالجزيرة العدد 14136 يوضح المشكلة حين قال: «كيف حكم مهرج مثل القذافي أربعين عاماً؟! وكيف بقي مبارك أو زين العابدين أو غيرهما كل هذه المدة في قيادة بلدانهم. والإجابة تكمن في نوعية (الثقافة السائدة) والتي من خلالها تُبني الأفكار السلبية والتي تؤكد أن الخلل سيستمر حتى لو تغير الأشخاص! فالمهم في كل مجتمع كي يلحق بقطار المستقبل هو تغير تلك الثقافة الاجتماعية السائدة التي امتدت في عمر الفساد دون أي تملل للشعوب أو رفض طوال السنين. ولو ضربنا مثالاً لهذا الخلل حتى في الشريحة المثقفة في المجتمع كطبيب أو مهندس عربي وطبيب أو مهندس غربي، تخرجا سوياً من أرقى الجامعات في العالم وعاد كلاهما لممارسة العمل في مجتمعه، فسنجد اختلافاً شاسعاً بينهما من حيث الالتزام المهني والعملي كنتاج طبيعي لنوعية ثقافة مجتمعيهما. فالغربي سيقدس الالتزام في العمل وكأنه عبادة، أما العربي فلن تختلف طباعه اللاجدية والتي غرستها ثقافة المجتمع فيه منذ الصغر! لذلك لن نرى في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو حتى سوريا أي تغيير بعد الثورة ولن يحدث أي تطور فيها حتى لو جرت انتخابات شعبية. لأن السبب الرئيس في الأزمة سيبقى وهي ثقافة الشعب نفسه في معظم أمور الحياة. أيضاً في ظل غياب ثقافة الانتخاب السائدة في تلك المجتمعات سيأتي حكام بنفس مواصفات المخلوع ويستمر اختطاف البلاد من طاغية آخر! لذلك تحتاج تلك المجتمعات لتغيير ثقافي من داخلها قبل تغيير حكامها. وتبدأ الخطوة الأجدر وهي تأسيس الثقافة الانتخابية بدءاً من مؤسسات المجتمع المدني وذلك بتأسيس ثقافة الانتخاب في المدارس والجامعات حتى يكون للناخب شخصية مستقلة يختار مرشحه حسب برنامجه ومؤهله بعيداً عن التبعية. ويسبق هذا تغيير في ثقافة المجتمع ككل حول أخلاقيات العمل والالتزام وطرق الاختلاف وتجنب الصدام الفكري واستبداله بالحوار العقلاني. صالح عبدالله العريني - البدائع