بعد أحداث ومتغيرات الثورات العربية ، أصبحت هناك حالة من الحريات المغلوطة لدى الكثير من القطاعات المجتمعية العربية ، وخاصة عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي سواء في فيس بوك أو تويتر أو غيرهما ، وهو ما ترتب عليه تحولات سلبية كبيرة في طريقة إجراء الحوار المتبادل بين مختلفين عبر هذه الوسائل ، مما جعل توجيه السباب والشتائم هو الطريقة الشائعة للرد على الآراء المخالفة . ورغم أن الأخلاق والسجايا الطبيعية والسليمة ترجح دائماً أن يكون الرد على الرأى المعارض برأى مثله وليس بسباب أو شتائم إلا أن كثيرين يتجاهلون هذه الحقيقة ، ويتخلون عن طبيعتهم الإنسانية الراقية ، ويتعمدون الرد على آراء المخالفين لهم بالإيذاء اللفظي والكلامي ، وهو ما يدعونا إلى استطلاع آراء بعض المثقفين في هذا الأمر ، عسى أن نجد لديهم حلاً وخلاصاً .. ليست للشتائم المؤرخ د. إبراهيم خليل العلاف يقول : إن مواقع التواصل الاجتماعي ، ومن اسمها ومضمونها، تعني التواصل بين الناس . ومن المؤكد ان الناس مختلفون في ارائهم، وتوجهاتهم ، واذواقهم، وردود فعلهم. وليس بالضرورة ان يتفق الجميع على رأي واحد ، فالتعددية اساس الحياة ولو شاء الله لخلق البشر كلهم من لون واحد وجنس واحد وبلغة واحدة ولكنه خلقهم مختلفين من اجل التعارف والتعاون .لذلك فإن ما يجري من امور سلبية في مواقع التواصل الاجتماعي مخالف لقوانين الطبيعة ومخالف لما يسميه العلامة ابن خلدون «طبائع الاشياء « وينم ذلك كله عن تدن في مستوى بعض من يتعامل مع الانترنت وملحقاته من فيسبوك وتويتر وما شاكل ، واقصد بتدني مستوى المتعاملين الثقافي والفكري . ويؤكد ابراهيم خليل: للأسف وجدت من خلال تعاملي مع الفيسبوك ان الكثيرين لايميلون الى التركيز على الامور الايجابية في الحياة ، وحتى مواقفهم السياسية فكثيرا ما تكون متطرفة ومتشجنة وغير ايجابية.انهم ولا اقصد الجميع وانما الكثرة من المتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعي يبحثون عن كل ما هو مظلم وسلبي بل ومقزز في المجتمع فبدلا من ان ينشر صورة لحديقة جميلة او للوحة جميلة نراه يبحث عن اماكن تجمع القمامة لكي يهاجم المسئولين ويتهمهم بالتقصير وينسى نفسه هو كمواطن يتطلب الامر منه ان يسهم في تكريس قيمة النظافة وهكذا ..ويضيف الدكتور العلاف : انا اعتقد ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست مخصصة للسباب والشتائم ، وانما لاشاعة قيم المحبة والتسامح وادعو كل من يتعامل مع هذه المواقع ان يكون ذواقا ،كيسا، لطيفا، ودودا يبتعد عن النفس العدوانية وان يجعل من نفسه اداة للبناء وليس للهدم هذا أن اردنا ان نبني مجتمعنا وبلدنا من جديد ..لنتحل بالصبر ، ولنتعلم لغة الحوار، ولنقبل الاخر ، ونحترم الرأي المناقض لرأينا فالاختلاف لايفسد في الود قضية ..مواقع التواصل الاجتماعي هي كالصحف كالمجلة والجريدة ويجب ان تكون هناك ضوابط واخلاقيات للمهنة . والقلم القوي هو القلم الذي يحاور ويناقش ويأتي بالادلة قبل ان يتهجم على من يخالفه اي ان يقيم الحجة بالحجة والصحفي سواء في الصحافة الورقية او الالكترونية هو اولا واخيرا صاحب رسالة والمدون هو صحفي والفيسبوكي هو صحفي والتويتري هو صحفي ومعنى هذا ان تكون لديه رسالة واية رسالة انها رسالة البناء والحب والتسامح واعتقد ان على اتحادات الانترنت والمواقع المختلفة ووسائل الاعلام ان تقوم بدور تثقيفي لحصر هذه الظاهرة السلبية وتبيان مخاطرها على مستقبل الثقافة الرقمية في بلداننا . منظومة القيم أما الروائي فيصل عبد الحسن فيقول : من الواضح أنه إذا اختلفت الأدوات التي يسبقنا فيها الغرب فإننا نظل حبيسي جهلنا وتخلفنا، فنحن للأسف - ولا أقصد التعميم - بل ان معظم الناس في مجتمعاتنا لا يرتقون لما وصل إلى أيديهم من أدوات الاتصال الحديثة، فهم للأسف يضعون في نفوسهم من جهل وتخلف على هذه الأدوات، التي جاءت للارتقاء بالإنسان وتوفير الأسباب لنقل المعرفة بين الناس، والتواصل وخلق وجهات نظر متقاربة حول القضايا التي تشغل الناس، فيتم تحويل هذا التقدم إلى وسيلة من وسائل نشر التخلف والجهل بين الناس، فما معنى أن تستخدم وسيلة راقية وصل إليها العقل البشري بعد ملايين من سنوات التراكم المعرفي والعلمي كالأنترنت وما نتج عنه من مواقع تواصل أجتماعي في سبيل أن تشفي نفسك المريضة بشتم فلان أو الإساءة إلى فلان وأن تقول في السر ما أن تستحي عن قوله في العلن، أليس هذا من ضمن المنظومة المتكاملة للجهل التي يراد أبقاء أمتنا في مزالقها حتى نبقى في آخر الأمم من الجهل والتخلف ؟ للأسف هذا ما نطالعه في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، مما تعافه النفس ويمجه الذوق، وانه لمعالجة هذا الخلل علينا أن نبدأ بالنفس فنضع أنفسنا موضع المشتومين أو المُساء إليهم، بما لا يليق من الكلمات، ويتساءل الروائي فيصل: فهل نقبل بوضع كهذا ؟ وهل من الإنصاف لأنفسنا أن نضيع أوقاتها الثمينة بما لا يفيد ولا ينفع، لا لها ولا لغيرها ؟ وأليس من الأفضل الأستفادة التامة مما أنتجته أفضل الخبرات البشرية لتضع بين أيدينا ما يزيد معرفتنا، ويزيد من استمتاعنا بهذا العالم الافتراضي الواسع الإمكانات، الغني بكل ما هو مفيد، واضعين نصب عيوننا ما منعتنا عنه شريعتنا الإسلامية السمحاء التي حرمت علينا التنابز بالألقاب والتشاتم، وتبذير الوقت الذي هو أغلى من المال، فقال القرآن الكريم عن هؤلاء المبذرين أنهم كانوا أخوانا للشياطين ؟ أن الوسيلة المثلى لمعالجة هذا الخلل المعرفي العظيم لدى ناشئتنا وشبابنا يكون بمعالجة المنظومة القيمية لديهم، ومتى ما تم معالجة هذه المنظومة خفت هذه الظاهرة المريضة وتلاشت، ولا يغير الله تعالى ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .