لتحديد الأثمان عند الفقهاء ثلاث طرق: 1-المساومة، وهي الأكثر استعمالاً، فيبدأ أحد الطرفين بسوم فيقبله الآخر أو يرفضه ويبدي سومه، وتستمر العملية حتى يتفقا على سعر معين أو يفترقا دون اتفاق . 2-المزايدة، وهي: أن ينادى على السلعة، ويزيد الناس فيها بعضهم على بعض، حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها . {القوانين الفقهية} . 3-بيع الأمانة: وهي التي يحدّد فيها الثمن بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص، وسميت بيوع الأمانة؛ لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال. والذي يعنينا هنا عقد المزايدة: الذي يعتمد على دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد، ويتم عند رضا البائع. وعقد المزايدة هذا، يتنوع بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء. وله أحكام من جهة الإجراءات المتبعة، وطلب الضمان ورسوم الدخول؛ مما جَدَّ في تنظيم المزايدات. وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي (73) يوضح أحكام ذلك. والذي نبحثه باختصار هنا، ولم يرد له ذكر في قرار المجمع، هو: هل تقبل دعوى الغبن في المزايدة؟ ولا يخفى أن المقصود بالغبن: الغبن الفاحش، أما اليسير الذي يتسامح في مثله فإنه لا تقبل الدعوى فيه في جميع البيوعات. ويمكن أن نصوغ السؤال بطريقة أوضح، فيقال: هل بيع المزايدة تجري عليه أحكام الغبن كسائر البيوع، أو بيع المزايدة بيع قد طرد فيه الغبن بما توفر من إشهار، وحضور المتزايدين، ومعرفتهم للقيمة الحقيقية للعين، ومن ثم مزايدتهم عليها؟ ليس ثم بحث مستفيض في الفقه الإسلامي في هذه المسألة حسب اطلاعي؛ لكن يؤخذ من عموم قبول دعوى الغبن في أنواع البيوعات؛ قبوله أيضاً في بيع المزايدة، ولذلك ردَّ الشيخ المهدي الوزاني من علماء المالكية على من قال إن دعوى الغبن لا تقبل بحجة أن البيع تم عن طريق المزايدة، فقال: ما احتج به المشتري من كون المبيع وقع مزايداً لا يفيد شيئاً؛ لأن القيام بالغبن كما يكون في بيع المساومة يكون في بيع المزايدة. ونلاحظ هنا أن الاتجاه القانوني خالف الاتجاه الفقهي فرأى منع دعوى الغبن في المزايدة؛ معتبراً: أن قيمة الشيء بعد المنادة عليه في الأسواق وشهرته هي ما وقف عليه. مع العلم أن هذا الاتجاه ذهب إليه بعض الفقهاء أيضاً. ويؤيد الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان قبول دعوى الغبن في المزايدة، ويرى أنه قد تتحكم بعض الأسباب في تقليص المزايدة وعدم بلوغ السلعة ثمنها، ويتضح مستقبلاً وجود الغبن غير المعتاد ثم يقول: ففي قبول الدعوى إنصاف لصاحبها إن كان فرداً، وحماية للمصلحة العامة إن كان وقفاً، أو جهة حكومية، أو مرفقاً عاماً. ولا شك عندي أن في قبول دعوى الغبن في المزايدة حفظاً لحق الفرد؛ لكن ذلك في نظري لا يحقق استقرار التعامل الذي راعاه الفقه الإسلامي، وأظن أن ذلك من منطلقات الاتجاه القانوني الذي رأى منع الدعوى، ومن ثم أرى من المهم أن يسد المنظم السعودي هذه الثغرة.