أتوجه بهذا المقال إلى وزارات الإعلام والتعليم والثقافة وهيئة الرياضة. أكتب مرة ثانية وثالثة عن ظاهرة تعصب رياضي لا نشاهدها في المدرجات بل من خلال بعض البرامج الرياضية الحوارية. ما يدور في هذه البرامج لا ينتمي للإعلام ولا للحوار ولا للموضوعية ولا للنقد الرياضي وإنما هو صراع بين مجموعة من المشجعين يتجادلون صراخاً تحت سيطرة نظرية المؤامرة التي يفسرون فيها كل حدث رياضي وتحديداً في عالم كرة القدم. هناك فرق في عالم الرياضة بين الإثارة والتعصب، الإثارة تكمن في الأداء والنتائج وأهازيج الجمهور الجميلة المحفزة غير المسيئة. الإثارة الحقيقية توجد داخل الملعب، الإثارة خارج الملعب في العناوين الصحفية الفنية الإبداعية التي لا تخرج عن الروح الرياضية وتعبر فنياً عن المباريات. التعصب الرياضي نشاهده بكل وضوح في بعض البرامج التلفزيونية المعنية بكرة القدم بشكل محدد. هذه البرامج هي تعريف عملي لمعنى التعصب الرياضي. هذه البرامج يمكن الاستعانة بها في عالم التدريب كحالة للتعريف بالحوار الفاشل، والبعد عن الموضوعية، وضعف إدارة الحوار، وعدم احترام المتلقي، والتركيز على الهوامش والشكليات، وعدم وضوح الهدف من الحوار أصلاً. كل مسببات فشل الحوار تتوفر في هذه البرامج، التعصب للرأي، الصراخ، المقاطعة، الشخصنة، عدم احترام عقول المشاهدين وعدم احترام الوقت، وعدم وضوح معايير اختيار المشاركين. السؤال هنا: هل من شروط المشاركة في هذه البرامج أن يكون المشارك ممثلاً لناد معين؟ السؤال لا يتعلق بالميول فهذه لا اعتراض عليها وهي حرية شخصية ولكن الرياضة لها لوائح وأنظمة وقوانين تمثل المرجعية في إصدار الآراء الموضوعية، أما الآراء الشخصية فهي متاحة بشرط عدم تغليب العاطفة التي تجعل الآراء متناقضة بين موقف وآخر تتوفر لهما نفس الحقائق. المباراة داخل الملعب تسودها الروح الرياضية بين اللاعبين ويحكمها القانون، أما المباراة في الاستديو فهي مع الأسف بلا قانون وليس لها علاقة بالروح الرياضية، هي نوع من أنواع الفوضى، ومعركة بين مشجعي الأندية لا تضيف شيئاً مفيداً للمشاهد ولا تساهم في تطوير العمل الرياضي، وتمثل خطراً تربوياً وفكرياً على صغار السن. الجهات المعنية بهذا الموضوع كثيرة وأشرت إلى أبرزها في مقدمة المقال مؤملاً ومنتظراً مبادرة من هذه الجهات مجتمعة أو من أحدها لتقييم هذه البرامج من زاوية إعلامية وتربوية ورياضية واجتماعية، وليت أحد معايير هذا التقييم يتجه بداية نحو معايير اختيار المشاركين، ثم وهذا هو الأهم مدى ملاءمة هذه البرامج كنافذة يطل منها المشاهد خارج المملكة فيشاهد ما يليق بمكانتها وما وصلت إليه من تطور في كافة المجالات ومنها المجال الرياضي، هذا المجال الرياضي هو وسيلة إعلامية خارجية وإحدى القوى الناعمة التي يجب استثمارها لتقديم صورة جميلة حضارية لبلادنا. المؤسف أن بعض البرامج الرياضية لا تقدم تلك الصورة الجميلة بل تفعل العكس فهي نافذة إعلامية لا تتوفر فيها مقومات النجاح والتأثير الإيجابي بل هي ساحة لتعزيز التعصب الرياضي والطرح السطحي تحت عنوان الإثارة! الرياضة نافذة حضارية وإعلامية وتربوية يجب أن تبتعد عن التهريج.