«أنا عاشق للبراءة وأحلام الطفولة وأمانيها، فالطفولة هي الوطن والحياة»، بهذه المفردات الحالمة والأمنيات الوادعة، لخص «بابا طاهر» قصة حياته الطويلة التي عانت من الفقد والغربة والحنين، وقد ظهر ذلك جلياً في قصائده التي نظمت الحزن والألم، فهو القائل: أبكي وأضحك والحالات واحدة أطوي عليها فؤاداً شقه الألم فإن رأيت دموعي وهي ضاحكة فالدمع من زحمة الآلام يبتسم يُعتبر الأديب والشاعر والإعلامي السعودي طاهر زمخشري، أحد أهم رواد وصنّاع النهضة الثقافية الشاملة في المملكة، وأول من اهتم بأدب الطفل في الخليج العربي، وصاحب أول ديوان شعري سعودي باللغة الفصحى وهو «أحلام الربيع» الذي صدر في العام 1946. ولد طاهر عبدالرحمن زمخشري في مكةالمكرمة في العام 1906، وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة الفلاح الشهيرة التي أسسها تاجر اللؤلؤ المعروف الحاج محمد علي رضا زينل في 7 ديسمبر العام 1905 في مدينة جدة، ثم بعد ذلك بست سنوات افتتح لها فرعاً آخر في مكةالمكرمة. ثم تنقل طاهر زمخشري بعد ذلك في عدة وظائف حكومية، حتى استقرت به الحال في الإذاعة السعودية التي كان أحد مؤسسيها، يُعد ويُقدم الكثير من برامجها، ولعل أشهرها على الإطلاق، برنامجه الشهير «بابا طاهر». ويُعد الأديب طاهر زمخشري، من أكثر الرواد السعوديين، تجربة وجرأة، حيث أسس واقترح العديد من الأفكار والمبادرات والمشروعات الثقافية والإعلامية والفنية الوطنية، حيث أسس أول فرقة موسيقية في تاريخ الوطن والتي كانت تُقدم الأناشيد الوطنية في الإذاعة، كما أصدر في العام 1959 «مجلة الروضة» وهي أول مجلة ملونة خاصة بالأطفال في المملكة، كما ترأس تحرير صحيفة البلاد وهي من أقدم الصحف السعودية. وقد برع الشاعر طاهر زمخشري في نظم الشعر الفصيح حيث نشر الكثير من المجموعات الشعرية، كما اشتهر أيضاً بكتابة الشعر المحكي الذي تنوع ما بين النشيد الديني والعاطفي والمنولوج، وله قرابة ال200 أغنية، تغنى بها كبار المطربين، كطلال مداح ومحمد عبده وهيام يونس التي غنت له تحفته الفنية/ الرياضية التي كتبها ولحنها وهي «جيب القول على الرايق»، والتي تُعتبر العلامة البارزة والرائدة في تاريخ الأغنية الرياضية السعودية. وقد ترك هذا الرمز الثقافي السعودي الكبير، إرثاً رائعاً ساهم في صناعة المشهد الثقافي السعودي، فقد صدر له الكثير من المجموعات الشعرية والقصصية والنقدية، كما قدم الكثير من الأعمال والبرامج الإذاعية والتلفزيونية. وقد كُتب عن سيرته الذاتية والأدبية، الكثير من المؤلفات والدراسات والمقالات، وتناولت أعماله الأدبية العديد من الجامعات السعودية والعربية. ومن أهم أعماله الشعرية: «أصداء الرابية»، «على الضفاف»، «ألحان مغترب»، و»عودة الغريب». أما أهم كتبه الأدبية: «على هامش الحياة»، «حقيبة الذكريات»، و»عبير الذكريات». وقد حصل الأديب طاهر زمخشري على العديد من الجوائز والأوسمة والإشادات، أهمها وسام الاستقلال التونسي من الدرجة الثالثة في العام 1966، وجائزة الدولة التقديرية السعودية للأدب في العام 1983. لقد عانى طاهر زمخشري من اليتم والمرض والغربة، لكنه لم يفقد إيمانه القوي بذاته التي كانت أشبه ب»نافذة على القمر»، تُحرضه دائماً على الإبداع والإنجاز. وفي 20 يوليو العام 1987 وعن عمر 81 عاماً، وبعد معاناة طويلة مع المرض، توقف قلب هذا الملهم الطاهر للأبد، ولكن إرثه الكبير سيبقى خالداً للأبد. الراحل كان داعماً للفنانين.. والفنان محمد عبده أبرز من نهل من تجربته