تعد المجامع الفقهية تنظيما حديثا للاجتهاد الجماعي الذي كان يحرص عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فإن المعروف عنهم: أنهم كانوا يتشاورون إذا وردت عليهم المسألة النازلة، ويتداولون فيها الرأي فيخبر كل واحد منهم بما عنده من نص أو رأي. ومن ثم فإن هذه المجامع الفقهية يتجلى فيها الاجتهاد الجماعي، الذي يحتاج إليه المسلمون أكثر من أي وقت مضى، وذلك لكثرة النوازل الفقهية، وتعقدها وتشعبها، ونظراً -أيضاً- لتطور العلوم؛ فأصبح من الأهمية بمكان أن يوجد بهذه المجامع الفقهية المتخصصون في الفروع العلمية من طبية واقتصادية واجتماعية وفكرية، حيث يدرس الفقهاء المسائل النازلة على ضوء الأصول الشرعية، والقواعد الفقهية، والحقائق العلمية المتخصصة. ولقد أثبتت هذه المجامع الفقهية أهميتها ودورها وأثرها من خلال مجمعين فقهيين، تميزت قراراتهما وفتاواهما بالعمق العلمي والفقهي، واللغة الرصينة الدقيقة، وكان لهذه القرارات الصدى الواسع، واحتفل بها طلاب العلم وشداة المعرفة، وكان لها الأثر الكبير لدى عموم المسلمين، وتعتبر وجهاً مشرقاً للعالم الإسلامي عند ترجمتها. هذان المجمعان الفقهيان هما: مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة التعاون الإسلامي، والمجمع الآخر هو: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. فالأول جاء في أهداف تأسيسه: "سعياً وراء تحقيق إرادة الأمة الإسلامية في الوحدة نظرياً، وعملياً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، واعتباراً للدور الحضاري الذي اضطلعت به الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي الذي أثرى المعرفة الإنسانية.. وتقديراً لما للعلم والفكر من دور في تقدم العلم والأمم ورقي الشعوب وتأكيداً لحاجة الأمة الإسلامية في هذا المنعطف التاريخي من حياتنا إلى مجمع تلتقي فيه اجتهادات فقهائها.. وتمكيناً للمسلمين من مواجهة مشكلات الحياة المعاصرة". وأما المجمع الآخر فقد نص قرار الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي أن يكون لهذا المجمع: "مجلس يضم نخبة ممتازة من فقهاء هذا العصر، ومفكرين متخصصين في مختلف المجالات، والعلوم الإسلامية". وأقترح على هذين المجمعين أمرين اثنين: المقترح الأول: إنشاء مرصد علمي يرصد النوازل الفقهية المعاصرة، فإنني ألحظ -وعلى أهمية عمل المجمعين- قلة القرارات بما لا يتفق مع كثرة النوازل. والمقترح الثاني: أن يعنى بالنوازل الفكرية والعقدية، وهما أخطر على فكر المسلم وعقيدته وأكثر أهمية من النوازل الفقهية، لاسيما والعالم الإسلامي مستهدف بالأفكار المتطرفة والمنحلة، وتنشط على أجزاء من أراضيه الجماعات المتطرفة التي تشتت المسلمين، وتشوه صورة الدين الإسلامي.