يقال إن الحديث عن الفقه وأنواعه (النوازل، الواقع، المستقبل، التوقع) وما يتصل بها؛ أمر جديد في شكله قديم في مضمونه، ويأتي دور المجامع الفقهية في صياغة الفقه الإسلامي من خلال معطيات الواقع المعاصر، ثم الخروج بقرارات فقهية متعددة تقدم حلولا عديدة لنوازل العصر. ويحتضن العالم الإسلامي العديد من المجامع الفقهية؛ منها: المجمع الفقهي الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي (السعودية)، مجمع الفقه الإسلامي (الهند)، مجمع فقهاء الشريعة (أمريكا)، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (ايرلندا)، مجمع البحوث الإسلامية (مصر)، والمركز العالمي للتجديد والترشيد (لندن). وتسهم تلك المجامع في تقديم حلول شرعية للمجتمع المسلم، مما يزيد من أهمية وجودها، تطلعا لمزيد من الدراسات الفقهية المتخصصة، والقرارات المجمعية الرصينة، ولذلك فإن إنشاءها جاء وفق أهداف سامية، في ظل وجود الاستقلالية والوسائل المحققة للأهداف، واختيار الأعضاء من الفقهاء والخبراء والمتخصصين بصفات تتناسب مع دورها الفقهي والعلمي. وإن أرادت المجامع الفقهية تطوير أدوارها؛ فلها تفعيل شعب المجمع المتخصصة وهيئاته، وتوسيع عضوية مجلسه، وإعداد هيكل تنظيمي جديد لأمانته العامة بآلية عمل متطورة، والاهتمام بإقامة مراكز بحوث ودراسات. ولهذا يعد إنشاء المجامع الفقهية مقصدا شرعيا هاما؛ حيث اهتمت بما يحتاجه المسلمون من قضايا في حياتهم المجتمعية، ودرست المسائل الفقهية المستجدة بواقعية، فوحدت المجتمعات الإسلامية بفتاواها وقراراتها وتوصياتها الرزينة، وأثرت على اتفاق آراء العلماء وتقليل الخلافات الفقهية. وكما أن لوجود المجامع مقاصد شرعية، فإن «المصالح المرسلة» تدخل ضمن تلك المقاصد، ويوضح الدكتور عبد العزيز العمار في بحثه «المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات»، أن المصالح المرسلة أصل من أصول الفقه والاجتهاد والتأويل والترجيح، ويؤكد حاجة الفقيه المجتهد إلى اعتبار المصالح المرسلة لفهم الأحكام وأدائها والقيام بالتكاليف. وثمة دور مقاصدي للمجامع الفقهية في إعداد المجددين، كما يشير إلى ذلك الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي عند تأكيده أن التجديد في الفقه الإسلامي استمرار لحركة التطور وكثرة الاستفتاء في النوازل والمستجدات والقضايا الطارئة، خاصة أن التاريخ الإسلامي حفل بكوكبة من المجددين على مستوى القيادة والدولة، وعلى المستويين العلمي والفكري. أما «الاجتهاد الجماعي» فهو عصب المجامع الفقهية؛ وأبرز مقاصد إنشائها، وهذا يتطلب زيادة وجودها لضرورة التوسعة في الاجتهاد الجماعي بين العلماء والفقهاء، في ظل وجود من أقحم نفسه في إصدار آراء شرعية لقضايا عامة تصدر للساحة بترحيب من بعض الفضائيات، ولا خوف من تكرار دراسة مسائل فقهية مشتركة في ظل التنسيق بين الأمانات العامة للمجامع الفقهية. وبما أن الاجتهاد الجماعي إحدى الركائز الأساسية للمجامع الفقهية، فقد جاء اتفاق العلماء والفقهاء والباحثين المشاركين في «المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها» الذي نظمه المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة (2009م)، على أن «المجامع الفقهية أسهمت بشكل فاعل ومؤثر ليس في تحقيق الاجتهاد الجماعي فحسب، بل في ترسيخه ليصبح مفهوما قائما بذاته، ومصطلحا مستقلا عما سواه، وممارسة عملية منظمة، عمادها البحث العميق والاجتهاد الأصيل والدليل المتين، والبعد عن الشبهات والريب، في مشورة علمية ناصحة من أهل علم أخيار أكابر تشدهم آصرة التآخي، وتقوي علاقاتهم الآمال في وحدة الأمة، وأن هذا الاجتهاد لا يقتصر على الأحكام والمسائل الفقهية، وإنما يتجاوز ذلك إلى بعض القضايا والوقائع غير الفقهية كمسائل العقائد وأصول الدين، وأن له أهمية بالغة لضبط الفتوى والبعد بها عن الشطط والاضطراب». والخلاصة: أن أمام تلك المجامع، أدوار تتناسب مع قضايا العصر خدمة للمجتمعات الإسلامية؛ مثل: بيان الحلول الفقهية للقضايا المجتمعية، تقنين الأحكام الفقهية المتعلقة بأحوال المجتمع، إعداد دراسات وبحوث شرعية للمسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقديم المشورة للمؤسسات البحثية غير الفقهية، رصد ودراسة وتقويم ما تنشره وسائل الإعلام من آراء فقهية ومجتمعية، واكتشاف الكفاءات الفقهية بتدريب المختصين الشرعيين على البحث العلمي. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 228 مسافة ثم الرسالة.