تواجه المملكة تحدياً اجتماعيّاً حتى 2030م وبعده في محاولاتها توفير وظائف كافية للمواطنين في القطاع الخاص؛ حيث إن الاختلاف الكبير في حقوق العمال وتكاليف العمالة بين المواطنين والأجانب يقود أصحاب العمل إلى تفضيل العمال الأجانب عن المواطنين، لا سيما مع وجود لوائح سوق العمل التي تحتاج إلى تحديث لإصلاح سوق العمل السعودي ومعالجة الأسباب الجذرية التي تحرم المواطنين من العمل في القطاع الخاص. ولعل التحوُّل إلى سيناريو أن غالبية السعوديين يعملون في القطاع الخاص لن يكون سهلاً، فالتخلِّي عن الوظيفة الحكومية بالنسبة للمواطنين يعد تحدّياً قد يحتاج إلى سياسات تتجاوز رسوم العمل والإعانات بحيث يعاد تشكيل نظام توزيع الثروة. ويقترح تقرير خاص صادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان «هل من الممكن سعودة سوق العمل بدون إلحاق ضرر بالقطاع الخاص؟» للدكتور ستيفن هيرتوغ أستاذ السياسة المقارنة في مدرسة لندن للاقتصاد والسياسة، لإغلاق فجوة تنقل الموظفين: إصلاح نظام الكفالة لمنح الأجانب حرية التنقل بين أصحاب العمل، وبالتالي حصولهم على أجور أعلى بما يسهم في تقليل الفجوة في تكاليف العمالة بين الأجانب والمواطنين. ويوضح أن السعودة الحقيقية تتحقَّق بإغلاق الفجوة بين الأجور السعودية والأجنبية وحقوق العمال في سوق العمل، ولعل فرض رسوم جديدة على العمال الأجانب وزيادة تكلفة توظيفهم خطوة مهمة في سبيل ردم هذه الفجوة، بجانب جعل توظيف المواطنين أرخص من خلال تفعيل الإعانات الدائمة للأجور باستخدام رسوم أعلى للعمالة الأجنبية في دعم توظيف السعوديين،؛ مما سيؤدي إلى بطالة وانخفاض مستوى الدخل بين العمالة الأجنبية وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين. ويحذر أستاذ السياسة المقارنة في مدرسة لندن للاقتصاد من التلاعب بأنظمة الإعانات والوظائف الوهمية، مطالباً الحكومة بالنظر في الحد الأدنى لأجور الأجانب، وذكر أن إعانات توظيف السعوديين أفضل وأكثر تأثيراً من نظام الحصص للتوظيف في برنامج «نطاقات» الذي وفر فرص عمل كبيرة منذ طرحه العام 2011م من قبل وزارة العمل، ولكنه أيضاً فرض تكاليف كبيرة على الأعمال التجارية، كما أن هناك أعداداً كبيرة من الوظائف الجديدة وهمية ودون عمل فعلي، ويمكن أيضاً التلاعب به من خلال تسجيل شركات في قطاعات مختلفة، بجانب عدم توفير حوافز للشركات التي تخصص حصصاً أكبر لتوظيف السعوديين. ويقسم تقرير مركز الملك فيصل للبحوث سوق العمل السعودي إلى ثلثي المواطنين تقريباً في القطاع العام، بينما يحتلُّ العمال الأجانب معظم الوظائف في القطاع الخاص، كما أن حوالي 38 % من المواطنين موظفون بالقطاع العام، وتقترب نسب البطالة الرسمية من 13 %، رغم جهود الحكومة في إيجاد فرص العمل، إضافة إلى أن أغلب الأجانب في القطاع الخاص من ذوي المهارات المنخفضة، ويعملون في قطاعات مثل البناء والخدمات الشخصية والتجزئة؛ وهذا سبب رئيس لركود مستويات إنتاجية القطاع الخاص في المملكة منذ الثمانينات، وهناك فجوة متزايدة بين الوظائف التي يحتاجها المواطنون والوظائف التي تم إنشاؤها لهم بالمملكة. ويعود تركيز المواطنين على القطاع الحكومي وهيمنة الأجانب على القطاع الخاص إلى وجود فجوة في الأجور وظروف العمل بين العمالة السعودية في القطاع العام وبين العمالة السعودية والأجنبية في القطاع الخاص؛ حيث تبقى وظائف القطاع العام أكثر جاذبية للمواطنين بسبب الأجور الأفضل وظروف العمل الأكثر ملاءمة، بجانب الأمن الوظيفي وساعات العمل ومستحقات الإجازات والترقيات شبه المضمونة، فيما يفضل أصحاب العمل بالقطاع الخاص العمال الأجانب على السعوديين؛ لقبولهم بأجور أقل بكثير، كما أن لديهم حقوقاً أقل في سوق العمل السعودي واستعدادهم للعمل لساعات طويلة والصبر على ظروف العمل الأكثر صعوبة.