إذا سلمنا أن الإنسان هو محور النهضة، تصبح "قيمة حياة" هذا الإنسان موضع التساؤل في ماهية واقعه وحاضره ومستقبله ما هي إنجازاته، طموحاته وأحلامه؟ و ما هو استشرافه لمستقبله؟ وهل حياته متوازنة، يتوافق فيها ظاهره مع باطنه؛ حياة لا يعيش فيها، تحت وطأة القهر والخوف، كائنا مزدوجا مشوش الهوية. وهل يمكن لإنسان مهزوم داخليا أن يشارك في بناء "نهضة"!؟ هل يمكن لإنسان لا ُيعْمِل عقله ولا يفكر، إنسان تربّى علي الخوف، حتى من ظله، أن يقوم على بناء نهضة؟ الإنسان العربي/ المسلم عاش لفترات طويلة وهو خائف. خائف حتى من ظله ومن صوته إن فكر؛ لأنه تربى على مقولة أن "للجدران آذانا تسمع حتى صوت الهمس!" المأساة أن يكون قد اعتاد الخوف إلى حد الإدمان عليه! واعتاد تغييب العقل إلى حد التسليم بأن كل المطلوب منه أن يكون مجرد رقم؛ وأن كل ما يحتاجه ويجب أن يكتفي به هو "أكل العيش"؛ وأن الصمت هو الضمان لحياة آمنة. باختصار شديد، ماهي قيمة الإنسان العربي في اعتبار مجتمعه وفي اعتباره لذاته؟ ولا أتكلم هنا عن القيمة الاجتماعية المكتسبة من المكانة الاجتماعية. هذه يضفيها المجتمع، وهي مجرد بريق واهم يرتبط بطبيعة الدور الاجتماعي وظرفه. ولكنني أتكلم عن القيمة التي أضفاها الخالق، عز وجل، على الإنسان بتكريمه بما ميزه به عن سائر المخلوقات: قيمة العقل الذي يستطيع به أن يتدبر، ويتأمل، ويفكر، ويجاهد في نفسه، ويترقى، ويختار؛ ويدرك أنه هو وحده يتحمل أمام الخالق مسؤولية اختياراته. كرامة الإنسان، وحقه في حياة كريمة.. هي ما تعنيني. "إنسان النهضة" مكلفٌ بالخروج بنا من حالة التواجد عالةً على فكر وعلم واكتشافات الآخرين إلى عالم نكون فيه مؤثرين وفاعلين، ليس فقط مستهلكين ومتفرجين. مهمة صعبة وليست مستحيلة. يحتاج معها إلى إعادة صياغة وولادة جديدة في حُلة إبداعية، تنويرية "إيمانية". وليعود العقل المنفيّ إلى وطنه الطبيعي في حياتنا، إلى الأرض التي استخلفنا الله فيها، لإعمارها ونهضتها والرقي بها. والله المُستعان.