تعاقب الأجيال قلما يحدث دون جلبة فقد اتسم القرن العشرين، دون غفلان مخاضات سابقة التاسع عشر، باضطراب على مستوى صناعة القومية وإنشاء الدول. تتورط تلك اللحظات بكثير من السخط والعبث إزاء السكون والامتثال. ثمة حبال تتقطع وأشرعة تسيرها الرياح. ثمة اختبارات لحزمة كاملة من القيم والمبادئ والأفكار. في ذلك الأوان، بطأ النغم وتعقد الإيقاع وفقد النص المعنى، حرف جميل رسمه، أسطر مصفوفة وأصوات موفورة. في نهاية ذلك التاسع عشر وضعت الإستراتيجيات الحضارية وفق مواردها الطبيعية وطرق تجارتها وملاحتها بحرية وجوية وبرية. تنتعش وتكسد المدن على مدار خطط التجارة. ثمة تنافس اقتصادي، وثمة صراع حضاري جعل من الحجر يتكلم ويكشف خرافات المدون وأزياف المكتوب. لم يقلق إلا التاريخ مرات ينقطع وأخرى يسرع ضد مساره. بماذا تحلم الأجيال؟. كل ما حدث في القرن العشرين أفضى بالصخب إلى نزال آخر. نقل صراع القومي والدولي إلى اضطراب في التاريخي والخرافي، لغة العنف صعدت مع الإيديولوجيا. ماتت الأسطورة نزع السحر منها. فقدت الموسيقى كل سحرتها. تحول كل نغم إلى رنة. رنة تفضل نغمة. وما أجبرتنا على التقنية. أن بدلت وسائط التعبئة من الصوت البشري إلى الآلي. لا عصر الصناعي وإنما المصنوع والمرقوم. عصور المجتمع الصناعي كانت طريقاً مضللاً في المدن. ثمنه عرق العمال وإغراق المستفيد. وضعت القرى في مساحات محدودة من حياة الزراعة، كما أوثقت حبال الصحراء بفراغها. ثمة موسيقات وإيقاعات. تقول أهلها. تلك الألحان الطويلة المتتابعة النغم من طي كثبان الرمال تقطعت على صحراء شققتها الطرق. تلك الأداءات الفردية في العمل أو الجماعية في الترفيه تقلصت إلى دور أعزل وتوارت الجماعة إلى جموع مساندة. تلك الأشكال والألوان والحركات في بلاغة الحرف وتعبير النغم ونظام الإيقاع تفككت إلى كتل حرفية وصوتية وإيقاعية. يمكن نسخها وحفظها أو حذفها ونسيانها. تتشابك تفضيلات الموسيقى عند الناس ولا تتشابه. تتقاطع دائماً. حضور حفلة موسيقية يختلفون عن مستمع في صالة رياضة أو راكباً سيارة أو جالساً قبالة البحر أو في غرفة مقفلة. هل تتحدّى الأجيال عصورها؟. مدركة ما تركت. بعضها تنساق إلى جزر جديدة وأخرى تستدرجها الهاوية. تتعاقب الأجيال، نعم. ماذا ستكون؟. لا نعلم!.