لم أسمع موسيقاها من قبل، ولم يكن هناك حنين للموسيقى الأندلسية ايضاً. لكن، انتظر: فعندما توصلت باسطوانتين من اعداد وأداء امينة العلوي شعرت بالعودة الى الجذور… ويا لها من تجربة في الخيال. الموسيقى الاندلسية تراث وتجربة معاً. ولا تتصور ان الاثنين يفترقان. صوت امينة ينقلك الى جلسات غرناطية، وأداؤها يوحي بأن هناك روحاً جديدة في هذا الطرب. لا يخفى ان الموسيقى واكبت التطور الحضاري في الاندلس، وجمعت عدداً كبيراً من الثقافات فيها… العربية والبربرية الى جانب الاسبانية. ولعبت كل من غرناطة وقرطبة دوراً في تأسيس اسلوبين متمايزين انتقلا بعد انتهاء الحكم الاسلامي الى مدينة تلمسان في الجزائر والى مدينة فاس في المغرب. امينة تنتمي الى عائلة موسيقية من مدينة فاس. لكن الموسيقى الاندلسية لم تكن اختيارها الاول… فقد درست الموسيقى الكلاسيكية في معهد الكونسرفاتوار، وبعدها انطلقت تدرس الأدب. ويكاد يكون انجذابها الى الاندلسية تجربة روحية تمت اثناء رحلة الى غرناطة، حيث استولى عليها شعور بأن تبحر في رموز مجد آخر، ليس ذلك المنقوش على الاحجار والقصور والمساجد، ولكن المنسوج في الصوت، في النغم والكلمات. سرعان ما يتضح شغفها بالتراث الاندلسي نغماً وأشعاراً: "الموسيقى الاندلسية هي شعر قبل كل شيء"، وصوتها يذوب في الكلمات محاولاً ان ينحت تعبيراً وحنيناً. الغناء كما تمارسه امينة يتجه نحو اقحام النفس في اجواء من التأمل. الموسيقى هنا وسيلة لاكتشاف عهد زاهر ومتسامح. وهو ما تتحدث عنه هذه المغنية كأنها لا تصدق اننا نعود الى الوراء في عصر تقدم كثيراً الى الامام. في غنائها محاولة ليست لاحياء تراث ولكن لتجديده ايضاً. وقد نجد ان اسلوب الانشاد الموسيقي الذي يشغل الشباب العالمي له جذور في هذه الموسيقى ايضاًَ. الا ان المغنية تظل وفية للفترة الغرناطية: "الغناء في ذلك الوقت كان بأداء شخص واحد وعازف لا اكثر… الأداء فيه اشادة بقضية… اما الصوت فهو دائما في خدمة الموضوع". في اسطوانتها "القنطرة" نوع من الأسفار، هذه المرة على اجنحة المخيلة… انها تأخذ المستمع الى جلسات كأنها في قصر الحمراء، ثم تعيده الى الحاضر في ألحان اكثر حيوية وزهواً. "القنطرة" انغام جسر بين الماضي والحاضر. ومع ذلك تترك لنا المغنية فسحة الاختيار ان نستمع او نمرر مقطوعات الاسطوانة في سرعة ب"الرموت كنترول". هذا النوع من الأداء الاندلسي يرفض ان يكون مجرد استماع في الخلفية، لأن فيه شحنة من الأحاسيس الراقية… فلا ضحيح، ولا ايقاع خارج عن النشأة الاصيلة للنغم. من يدري اننا امام موسيقى للعبور فكرياً وطربياً، في وقت تتهافت الاصوات على التقاليع. في نظرة امينة ان الموسيقى يجب ان تطرح تساؤلات وتوصل بين الانسان وبين شيء في الحياة. وعندما اختارت الموسيقى الاندلسية لتصب فيها معرفتها الكلاسيكية، كان الهدف يتجاوز التجديد في محاولة للوصول الى صيغة للتكامل الفني. وهذه كما ترى امينة غالباً ما تؤدي الى التسامح الاجتماعي. انها تغني بالاسبانية ايضاً، وتختار مقطوعات من العصر الذي سادت فيه الموسيقى الاندلسية وسيلة للخطاب وأداة للتوصيل. يحق للمرء ان يتساءل ايضاً اين هي التجربة الشخصية في هذه الموسيقى؟ أليست الألحان جاهزة كما كانت تعزف في القرن الثالث عشر او الرابع عشر. تقول امينة ان الاصالة جزء واحد من كيان اللحن، لكنها تبتكر فيه بأسلوبها الخاص، ثم تجعله اقرب الى الاذن الشابة متيحة الفرصة امام المتطلع الى الموسيقى الاندلسية ان يجول في ربوع النغم من دون ان يشعر بملل او غرابة. الموسيقى الاندلسية كما قدمها الوكيلي وشقارة من الجيل الماضي كانت بمثابة اشعار سيمفونية ان صح التعبير. وكان المستمع الشاب ينتظر بفارغ الصبر تلك المقاطع الخفيفة في المقامات التي يستغرق اداؤها فترة طويلة. هذه الموسيقى في حاجة اليوم الى ترجمة اخرى يتجاوب معها الجيل الجديد. امينة العلوي التي ستحيي حفلة في لندن الجمعة 15 الجاري تحاول في هذا الاتجاه في جدية ويقين. وتتحدث عن مشاريع لتضع الموسيقى الأندلسية بين مجموعة الاسطوانات عند اغلبية الشباب. AMIAN ALAOUI GUEEN ELIZABETH HALL 0171-960 4242