أعلنت الولاياتالمتحدة الأميركية في مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران، من أهم العقوبات منعها من تصدير النفط اعتباراً من 5 نوفمبر وكانت تستهدف بذلك وصول كمية التصدير إلى الصفر حسب التصريحات الرسمية للمسؤولين الأميركيين وحشدت الإدارة الأميركية من أجل ذلك كل الوسائل لغرض تعويض النقص المحتمل في إمدادات النفط لكي لا تتأثر الأسعار بالعقوبات الأميركية وتعهدت السعودية بزيادة إنتاجها إلى 12 مليون برميل وكذلك بعض الدول الأخرى في منظمة أوبك وخارجها ولكن قبل يومين من تنفيذ العقوبات قامت الولاياتالمتحدة الأميركية باستثناء 8 دول من العقوبات وسمحت لها باستيراد النفط الإيراني وهذه الدول هي أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني ومع أن تلك الدول خفضت استيرادها من إيران تحسباً للعقوبات إلا أن هذا الاستثناء سوف يعيد عمليات الاستيراد مرة أخرى ولن تتأثر صادرات إيران من النفط الخام بل قد تزيد لو استطاعت زيادة إنتاجها، وكأن العقوبات لم تنفذ فعلياً وغلبت الإدارة الأميركية مصلحتها على مصالح الدول المنتجة للنفط حتى التي أبدت تعاون من أجل تعويض نقص الإمدادات وبزيادة الإنتاج في الدول المنتجة للنفط وزياد مخزونات النفط الأميركية تكونت هنالك تخمة في المعروض وتراجعت على إثره الأسعار من مستويات 80 دولاراً للبرميل إلى أقل من 60 دولاراً وحاول الرئيس الأميركي احراج السعودية بشكرها للمساهمة في خفض الأسعار وجدد المطالبة بعدم تخفيض أوبك لكميات الإنتاج ولكن تلك التصريحات ليست في مصلحة السعودية ولا روسيا أكبر مصدري النفط ولازالت الصورة ضبابية وغير مؤكدة حول الوصول إلى اتفاق لخفض الإنتاج في اجتماع أوبك في شهر ديسمبر وعلى كل حال سوف تتأثر إيرادات المملكة النفطية سواء بالاتفاق على خفض الإنتاج أو بدون الاتفاق، وخفض الإنتاج سوف يساهم في المحافظة على الأسعار في حدود 70 دولاراً ولكن الكميات المباعة سوف تنخفض كما أن عدم خفض الإنتاج سوف يهوي بالأسعار الى مستويات أقل من 60 دولاراً وهذا أيضاً مؤثر على الإيرادات النفطية، ميزانية المملكة للعام القادم 2019 مبنية على أسعار نفط في حدود 72 دولاراً وهذا يعني أن هنالك تراجعاً في قيمة إيرادات الدولة عن ما تم تقديره في البيان التمهيدي للميزانية المعلن عنه في شهر سبتمبر الماضي.. والسؤال هنا هل سيكون هنالك مراجعة لخطة الإنفاق وتعديلها بما يتوافق مع الإيرادات المتوقعة في ظل أسواق النفط الحالية أم أن الدولة ماضية في خطتها بغض النظر عما تؤول اليه أسعار النفط؟ البيان التمهيدي لميزانية 2019 الصادر عن وزارة المالية ذكر أن الميزانية المعتمدة رسمياً قبل نهاية العام قد تحتوي على تعديلات عما يظهر في البيان التمهيدي في ضوء ما قد يستجد حتى تاريخ إعلان الميزانية رسمياً بنهاية العام المالي، إذا التعديل على الميزانية وارد ولكن في اعتقادي بأن التعديل لو حصل فلن يكون بذلك التعديل المؤثر وسوف يكون الإنفاق أعلى من الإنفاق في الميزانيات السابقة لعدة أسباب منها، أن اقتصاد المملكة مر خلال الأربع سنوات الماضية بإصلاحات هيكلية كبيرة اقتضت تقليص الإنفاق وإعادة دراسة العقود السابقة والجديدة وإدخال الاتمتة في كل مراحل العقود بداية من الترسية حتى استلام المستحقات وهذا من شأنه الحد من الهدر المالي وسرعة صرف المستحقات للقطاع الخاص بالإضافة إلى الإصلاحات في سوق العمل وقصر بعض الأنشطة على المواطنين، وكذلك تقليص الإنفاق الرأسمالي كل تلك الإجراءات بلا شك ساهمت في تراجع الكثير من الأنشطة الاقتصادية وتظهر تلك الآثار في نتائج الشركات حيث تراجعت أرباحها أو حتى حققت خسائر وقد تكون الصورة واضحة في إعلانات الشركات المدرجة في السوق السعودية بالإضافة إلى الزيادة في معدلات البطالة التي وصلت إلى حدود 12.9 % في آخر إعلان صدر عن الهيئة العامة للإحصاء وقد أعلن سمو ولي العهد في مقابلته مع بلومبيرج بأن معدلات البطالة سوف تنخفض بداية من عام 2019 ولأجل ذلك نعتقد أن الدولة ماضية في خطط الإنفاق المقدرة خلال السنوات القادمة وتحفيز القطاع الخاص من أجل القيام بدوره الحيوي في رفع معدلات النمو وفتح مزيد من الوظائف للمواطنين، ولازالت الإيرادات غير النفطية تحقق معدلات نمو عالية سوف تساهم بشكل كبير في تخفيف الآثار الناجمة عن تراجع أسعار النفط كما أن صندوق الاستثمارات العامة يقوم بجهد كبير جداً من أجل تعظيم أصوله ورفعها إلى 1.5 تريليون ريال بنهاية هذا العام وتنويع الأنشطة الاستثمارية والتركيز على مجالات التقنية والتسوق الإلكتروني والطاقة البديلة والتي تشهد معدلات نمو عالية. ولكن لو تراجعت أسعار النفط تحت مستويات 50 دولاراً فان احتمالية خفض الإنفاق واردة بشكل كبير لأنه ليس من المعقول توسيع الإنفاق في ظل تراجع حاد للإيرادات وزيادة العجز مع زيادة متوقعة في أسعار الفائدة على الدولار خلال العام القادم والتي من شأنها زيادة الأعباء المالية على الديون السيادية والتي سوف ترهق ميزانيات الدولة في السنوات القادمة.