أقيم بمدينة تبوك معرض التراث والموروث الشعبي ولمدة 15 يوماً، واستطاع أن ينجح في توصيل رسالته بإثراء المجتمع السعودي من سكان وزوار منطقة تبوك عن ثقافته الأصيلة، كما نجح بتفوق عال بربط الأجيال بماضي أجداده، بطريقة لمس المجتمع فيه طريقة الحياة التي كان يمارسها الأجداد، وكيف تركوا إرثاً معرفياً كبيراً مر عبر العصور حتى وصل لهم، واكتشفوا طريقة التفكير التي جعلت الأجداد يقومون بعملية تسخير مكونات البيئة حسب احتياجاتهم، بل وتطويرها التدريجي على مر السنين التي مارسوا فيها منظوماتهم في العادات والتقاليد، والتأثُّر الواضح والمتبادل مع البيئات التي تحيط بهم ومع العالم الخارجي، واستغلال ما يحصلون عليه من مكونات جلبتها الأسواق أو استقدمتها الموانئ من مصادرها لأسواقهم بتطوير منتجاتهم طلباً للجودة والسعة والراحة، دلت عليها معطيات المادة التراثية المعروضة في أجنحة منطقة تبوك، حيث استطعنا متابعة ما يضاف على المادة المعروضة من تطوير، وتاريخ تطويرها، والأسباب التي أدت لتطويرها على مدى السنوات، وكيف اختلفت تدريجياً بالشكل من دون المساس بالمضمون، فهناك مجموعة مقتنيات تستخدم لغرض واحد وتختلف فقط بالشكل مع بقاء المضمون، كما رافق المهرجان الحرفيون الذين قدموا الأسلوب الشعبي الذي كان ينتهجونه في منتجاتهم الشعبية التي فرضتها عليهم الحاجة. كان ذلك كله عبر متاحف مرافقة للمعرض قُدم فيها تعريف شامل لمقتنياتها من خلال المسؤولين المختصين بإثراء الزوار إثراءً معرفياً عن حياة أجدادهم والذي هدف له المعرض، عرضت المحافظات المشاركة بمتاحف أجنحتها وهي/ محافظة تيماء، الوجه، ضبا، أملج، مقتنيات تراثية من أدوات طحن الحبوب، وبعض الأواني التي استخدمت قديماً، وأدوات جلب الماء من البئر، والصوف والسدو ومنتجاته، والجلود ومنتجاتها، والملابس التي قد يصل عمر بعضها حسب معطياته التراثية إلى الحضارات والحقب التي مرت بها المنطقة كالنبطية والرومانية والفرعونية والسبئية، ومكونات صُنْعِها سواء من أخشاب الأشجار، أو من الحديد، أو من الأحجار بعد تهيئتها، كما لمس الزوار الممارسات الحياتية اليومية والتي وضحتها لهم تلك المقتنيات التراثية من مواد عينية أو حركية وصوتية تراثية. كما خصص المعرض يوماً خاصاً لكل منطقة مشاركة، تنافست فيه الأجنحة بتقديم تراثها من أكلات وعروض شعبية عرّفت من خلاله بفنونها التي انقسمت إلى قسمين، فن ساحلي، وفن البادية، لامست وجدان زوار المعرض الذين توافدوا على مسرح العروض الفنية بشكل كبير واستمتعوا عبر عدة ليال، بعروض تنافسية، عبرت عن الحالة الإنسانية التي مارسها سكان المنطقة كعزف الربابة، والسمسمية، والهجيني، والرفيحي، والعجل، والسامري، والدحية، وما تضمنته هذه العروض من رموز تحكي ممارسات إنسانية كان يعيشها سكان المنطقة في حياتهم اليومية، كما في رقصة الرفيحي، التي ترمز في حركاتها إلى صيد الغزلان والوعول، والتي كانت في ممارسات الأجداد المهمة لتوفير الغذاء في كثير من الأحيان، حين يحاصرها الصيادون وتحاول الفرار بنفسها. رفيحية للشاعر سليمان النواق القرعاني الحويطي: يا وجودي على حرة وابوها شعيل يوم قفّت تهف الريح غرضانها لي ثلاثين عام اطالع الشيب فيّه واتركد على المركاد واشكي على الله تل قلبي من المعلوق تل العسيف اللي على غير ردتها يتلونها ملي يا قلبي الاقشر تحديتني كل ما تطري التوبة يجد الغرام ورافقت الأزياء الشعبية مهرجان التراث والموروث في منطقة تبوك، التي عرّفت الزوار ما كان عليه المجتمع من تصاميم وأزياء وكيفية لبسها، وما يصاحبها من زينة، فقد شاركت الحرفية السيدة/ عييدة محمد دخيل الله الحويطي من جناح الوجه، بأزياء شعبية تفوق تصاميمها الثمانين عاماً مثل زي المنقب وزي المعبب "من الْعب" ويسمى أيضاً المحوثل أو المرودن، وكانت السيدة عييدة على قدر كبير من الإتقان أثناء قيامها بخياطة أزياء شعبية بنفس الطريقة والمهارة القديمة، أدت للحفاظ على هذه المهنة المندثرة، واستطاعت أن تعطي الزوار فكرة واضحة عن مهنة الخياطة القديمة، وطرق تصميمها أثناء خياطتها، قبل وجود مكنة الخياطة عندما كانت الإبرة والخيط هما الموجودتان فقط في المنزل، فسخرتها المرأة القديمة حسب الحاجة بمهنية عالية المهارة وأخرجت ملابس حوت إبداعات فنية وجد بالمتاحف العديد منها. استطاع المعرض أن يثبت أصالة الماضي بما قدمته متاحف المحافظات من مقتنيات مادية ثمينة تاريخية محسوسة ومعنوية حركية صوتية، جعلت الزوار يتعرفون على موروثهم ويستكشفونه حيث وجدوا أن حاضرهم امتداد لماضيهم. أدوات تراثية من ملابس نساء المنطقة القديمة