يتميّز الشعراء عن سائر الناس بقدرتهم على التعبير عن آرائهم وعن أدقّ وأعمق مشاعرهم ببراعة فائقة وبأسلوب أنيقٍ وجذّاب؛ هذه الميزة التي يُحسدون عليها تتحوّل في بعض الأحيان إلى عيبٍ واضح يُساهم في النظر إليهم نظرةً بالغة السلبية. فالقصيدة التي يفضح فيها الشاعر أصدق مشاعره ويُعبر فيها عن أجرأ آرائه تتحوّل مع مرور الزمن إلى وثيقة أو دليلٍ يُخرجه الآخرون في وجهه عند الحاجة، خلافاً للشخص العادي الذي يسهل عليه أن يتمتّع بهذا الحق، وأن يتنكّر لأقواله وآرائه بعد مدّة وجيزة، ولا يضطر أبداً إلى مواجهة أي حرج أو أية صعوبات تُذكر عند الحاجة لتغيير شيء من آرائه ومواقفه. وعندما تغيّر موقف المتنبي من كافور الإخشيدي، على سبيل المثال، وتحوّل مدحه بعد احتكاكه بالأخير إلى ذم لم يُعجِب هذا التغيّر كثيرين كأبي إسحاق الوطواط «ت718ه» الذي علّق على موقف المتنبي قائلاً في ذم الشعراء: «قبّح الله الشعراء ما أقلّ حفاظهم وأكثر ما تتفاوت بالكذب في المدح والذم ألفاظهم» وأضاف واصفاً حال الشاعر: «لقد باع من الوفاء علقاً خطيراً، واعتاض من الطمع شيئاً يسيراً.. فلا جرم أن الناس كما استحسنوا قوله، استقبحوا فعله، وكما أعجبوا بشعره، تعجّبوا من غدره، يشكر ثم يشكو، ويمدح ثم يهجو». وفي حالات مُعينة يبدو الشاعر أكثر لؤماً وشراً من الآخرين، وذلك حينما يُعبر عن مشاعره بوضوح تامٍ وتجرّد تجاه بعض الأشخاص والقضايا. فعندما نقرأ أبيات ابن الرومي التي خاطب فيها شخصاً سأله حاجةً فقضاها له وكان لا يتوقع منه خيراً، وهي الأبيات التي يقول فيها: سألتُكَ في أمرٍ فجُدْتَ ببذلِهِ على أنّني ما خِلتُ أنكَ تفعلُ وألزمتني بالبذلِ شُكراً وإنّهُ عليَّ من الحرمانِ أدهى وأعضلُ لئنْ سرَّني ما نِلتُ منك فإنّهُ لقد ساءني إذ أنتَ مِمَّن يُؤَمّلُ نظن أن سوء ظن ابن الرومي يعود إلى نزعته التشاؤمية أو لؤمه، لكن من يعاشر الناس ويختبر أخلاقهم ويُلاحظ سلوكهم سيجد بينهم كثيرين يتشابهون مع ابن الرومي في سوء ظنّه ومع المتنبي في تبدّل مواقفه وتذبذبه بين مدح الشخص وذمه بحسب حصول المصلحة المرجوة منه. وفي الكتابات والأحاديث التي تتحدّث عن الشعراء، والشعراء الشعبيين على وجه الخصوص، يُلاحظ استخدام لغة فيها الكثير من التحامل والقسوة، وكأن الشعراء من جنس غير بشري، مع أنّ غيرهم من الناس قد يقولون ويفعلون ما هو أسوأ، لكن الإشكالية كما ذكرت بدايةً هي أن وضوح الشاعر في التعبير وسهولة حفظ ما يقوله تجعله مُستهدفاً بالنقد أكثر من غيره. أخيراً يقول سهو السهو: ملامحك تاخذ من إحساسك إحساس قلبي شربها والمحاجر كلتها ما همّني غيرك من الناس والناس: ترضى علي، تزعل علي، مشكلتها