صحافة الرأي، تملك في العالم تأثيراً كبيراً، لا يمكن تجاوزها لمصلحة مواقع التواصل، التي طغت على المشهد اليوم.. صحافة الرأي مسؤولية وخبرة ومعلومة وموضوعية وقدرة على التحليل.. إنها جهد يجب ألا يستهان به أو يقلل من قيمته.. "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي"، قالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في عديد من المناسبات، مؤكدا أهمية النقد، والكشف، وإبداء الرأي؛ في سبيل تحسين أداء الحكومة وأجهزتها، وتلافي القصور، وتقديم خدمات أفضل للمواطنين. وما يدعو إليه ملك البلاد وقائدها، يأتي من خلال ممارسته طيلة 60 عاما مسؤولياته في مواقع مختلفة في الدولة، وإدراكه أن الوطن لا ينهض إلا من خلال تحسين الأداء، ومراقبة مستوى الإنجاز، وتصويب الأخطاء. ولا أخال ما يعرفون ب"كُتاب الرأي" في الصحافة ووسائل النشر، سوى جزء من المعنيين بهذا الخطاب الكريم، دعوة لهم أولا، ودعما للقيام بمسؤوليتهم ثانيا؛ حيث لا يمكن أن تكتمل صورة مشهد تنموي يستهدف الإنجاز والبناء، إلا من خلال مراقب ومتابع، يرصد الإنجاز ويقترب منه، ويكشف المعوقات ويرشد إليها، وهذه ليست سوى جزء من مهمات كتاب يتطلعون إلى وطن يعانق الأحلام. الأسبوع الماضي، شهد مناسبة صغيرة في إعدادها وترتيبها، إلا أنها كبيرة في مضمونها؛ حيث حل وزير الإعلام الدكتور عواد العواد ضيفا على "الجمعية السعودية لكتاب الرأي" في مقرها بالرياض. هذه الجمعية ولدت منذ ثلاثة أعوام تقريبا، كانت ولادة صعبة، إلا أنها ولدت بجهود خيرة من مسؤولين دعموا فكرتها، ومهدوا الطريق لإشهارها. ويُذكر في هذا الصدد بمزيد من الشكر والتقدير وزير الإعلام الأسبق الدكتور عبدالعزيز خوجة، ومسؤولون آخرون في الوزارة، دعموا مشروعها، وأيدوا فكرتها، وسهلوا ولادتها. وقد حظيت الجمعية بدعم كبير من خادم الحرمين الشريفين، حين استقبل أعضاء مجلس إدارتها، وبارك إشهارها، وأبدى دعمه لجمعية ينتظر منها أن تكون إسهاما في دعم كُتاب الرأي لممارسة دورهم في خدمة بلادهم. كانت السنوات التي تلت إعلان الجمعية سنوات تأسيس، وتجاوز لبعض المتطلبات الإدارية والنظامية، التي حالت حينها دون مباشرة نشاطها. واليوم تبدو الجمعية وقد اكتملت عناصر التأسيس ومقومات العمل أمام مسؤولية تحقيق أهدافها ومهماتها. صحافة الرأي، معنية أكثر بمتابعة كل ما يمس الوطن، فالدفاع عن الأوطان أوجب الواجبات، إلا أن الرأي أيضا يجب أن يتمتع بقدر مناسب من حرية التعبير، قدر محترم من حرية التعبير هو المعول عليه أن يُمكِّن أولئك من دورهم.. مع احترام سقف لا يمكن تجاوزه، يتعلق بثوابت وطنية لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها بحجة حرية التعبير. ولا أخال المعنيين بكتابة الرأي والممارسين من كتاب الصحافة السعودية إلا ويملكون تلك الحاسة والقدرة على صياغة رأي يسهم في دعم مشروع وطن يتطلع إلى الأفضل، ويتحاشى بحس المسؤولية ممارسة أي دور يمكن أن يترتب عليه الإخلال بقيم وثوابت وطنية. ستظل صحافة الرأي المعول عليها في بناء رؤية نقدية تعمل لمصلحة مشروع وطن. لا يمكن استبدالها بما تُلقي به مواقع التواصل الاجتماعي: "تويتر" ونظراؤه، سوق تتراجع فيه درجة المسؤولية أحيانا لمصلحة صراعات وأهداف وتوظيفات قد تشكل خطورة على الوعي العام، إذا استمرت بهذا النسق وعلى الوتيرة ذاتها. ستكون الخسارة كبيرة بابتعاد كُتاب مشهود له بالكفاءة والدراية والتجربة والخبرة تحت تأثير الخوف أو القلق من رأي قد يسبب لصاحبه حرجا أو مساءلة، أو أن يضع صاحبه في دائرة الاتهام!! لا يملك الكاتب سوى قلمه، وهو يدلي برأيه، وهو بشر أيضا قد يخطئ أحيانا، إلا أن خطأ ما يتضمن تحليلا أو قراءة، لا يعني بحال أن يوضع صاحبه في دائرة الاتهام.. ليس أقسى على الرأي من أن يجد صاحبه نفسه في دائرة الخوف والقلق من التعبير.. الرأي قيمة إذا التزم بأمانة الوطن ومصالح المواطنين.. ويعول أن يُستفاد منه في تصحيح مسار أو التفكير في أبعاد أو قراءة في أمر يتطلب مزيدا من التوقف وإعادة النظر. وكما تتصارع المصالح، تتصارع الأفكار.. الفكرة الجيدة تطرد الفكرة الرديئة، لكن في غياب الصوت الآخر والرأي الآخر ستكون الأبواب مشرعة لرأي واحد، وتوجه واحد، قد يسهم في خلل فادح.. وقد يصعب تجاوزه أحيانا. سنخسر كثيرا من الأقلام الجيدة والواعدة، إذا ما سيطر القلق عليها، وإذا ما اختارت الاعتزال والانكفاء على ذاتها، وسنكون في وضع مربك أمام العالم الذي يناقش قضايانا بتحيز واضح، بينما يغيب من يُعتد بهم من كتاب الرأي، لدينا حذر مقاربة قراءات موضوعية تدفع عن بلادنا غوائل هذه الحملة.. وهي تشير أيضا إلى مكمن الخلل لتلافيه. صحافة الرأي تملك في العالم تأثيرا كبيرا، لا يمكن تجاوزها لمصلحة مواقع التواصل، التي طغت على المشهد اليوم.. صحافة الرأي مسؤولية وخبرة ومعلومة وموضوعية وقدرة على التحليل.. إنها جهد يجب ألا يستهان به، أو يقلل من قيمته.. والمعول عليه أن يكون لجمعية كُتاب الرأي دور في تمكين هذه المهمة الوطنية بامتياز.