تهدف رؤية المملكة 2030 إلى تطوير القطاع المالي ومن بين أهم أهداف البرنامج تطوير السوق المالية بحيث تتوافق مع أفضل الممارسات والمعايير العالمية وجعلها بيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي ورفع نسبة ملكيته في السوق المالية السعودية إلى حوالي 10 % ولأجل ذلك كانت هنالك جهود جبارة من هيئة السوق المالية خلال السنوات الماضية بتبنيها لأكبر وأسرع عملية تعديل وتحديث للأنظمة وضمان استقرار السوق المالية وانخفاض حدة تقلباتها والمخاطر التي تتعرض لها والتي من شأنه أن ترفع من ثقة المشاركين بالسوق وتساهم في إيجاد بيئة استثمار جاذبة تدعم نمو الاقتصاد الوطني ورفع مستوى الحوكمة في السوق المالية وإقرار العديد من الأنظمة الجديدة التي ساعدت وقد تساعد في المستقبل إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، هذه الإصلاحات التي قامت بها هيئة السوق المالية السعودية كجزء من المتطلبات التي سبقت الترقية إلى المؤشرات العالمية بدءا من مؤشر فوتسي راسل في شهر مارس ثم تلتها الترقية إلى المؤشر الأهم مورجان ستانلي MSCI وأخير مؤشر S&P كان لها الأثر الواضح في تشجيع الكثير من الصناديق الاستثمارية على التوجه إلى السعودية، ومن المتوقع أن يكون هنالك المزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية عند الإدراج الفعلي في مؤشرات الأسواق الناشئة بدءا من شهر مارس العام القادم، وشملت قائمة التحسينات تبني معايير الشفافية والعمل على مواءمة المصالح بين الإدارة والمساهمين، ومن خلال تفعيل برامج الحوافز على الأسهم على المدى الطويل، وبذلك ستتمكن المملكة العربية السعودية من استقطاب اهتمام المستثمرين الأجانب وتعزيز ثقتهم في السوق المالية السعودية، ويظل السؤال الذي يشغل بال المستثمرين في السوق هل فتح المجال أمام المستثمر الأجنبي قد يفتح الطريق لدخول الأموال الساخنة وتردد هذا السؤال كثيراً مع الأزمة الجيوسياسية الأخيرة التي تراجع معها السوق بشكل حاد وبلغت صافي مبيعات المستثمر الأجنبي خلال شهر أكتوبر حوالي 6.6 مليارات ريال، وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا تحليل أرقام مشتريات المستثمر الأجنبي بداية من العام الحالي الذي شهد محفزات كبيرة سواء في السوق المالية السعودية أو في الاقتصاد الكلي للدولة ومنها إدراج السوق السعودية في المؤشرات العالمية وارتفاع أرباح الشركات ونمو الناتج المحلي للاقتصاد السعودي وانخفاض العجز، كل ذلك جعل السوق المالية السعودية هدفا للمستثمر الأجنبي حيث ارتفعت مشترياته بشكل متزايد وارتفعت نسبة ملكيته من 4.17 % في نهاية العام 2017 وصولاً إلى 5.11 % في شهر يوليو الماضي ومع أنه تراجع قليلاً في شهر أغسطس وشهر سبتمبر إلا أن ذلك التراجع كان بسبب أزمة الأسواق الناشئة على خلفية تراجع سعر صرف الليرة التركية وانكشاف بعض الشركات المساهمة السعودية عليها وكذلك الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين والحرب التجارية بين الولاياتالمتحدة والصين، كل تلك العوامل ساهمت في تراجع الأسواق وخروج بعض المستثمرين الأجانب ولكنها لم تكن بالشكل الحاد في السوق السعودية، ولكن مع الأحداث الأخيرة كان هنالك خروج واضح للمستثمر الأجنبي ويلاحظ ذلك من خلال قيمة المبيعات وانخفاض نسبة ملكيته إلى 4.71 % وبالنظر إلى حركة مشتريات المستثمر الأجنبي خلال الأشهر التي سبقت الأزمة نجد أنها كانت طبيعية وضمن محفزات جاذبة وبالرغم من ارتفاع السوق إلى مستويات 8500 نقطة وما صاحبها من تضخم في أساسيات السوق إلا أن المستثمر الأجنبي ظل محافظاً على نسبة تملكه ولم يكن هنالك تخارج كبير يوحي بأن هنالك أموالا ساخنة قد دخلت السوق وبعد تحقيق أهدافها تخرج ولكنها كانت استثمارات أجنبية كانت تستهدف البقاء لفترات طويلة استناداً إلى جاذبية السوق والنظرة المستقبلية الجيدة للاقتصاد السعودي. إذا التراجع الحاد في السوق السعودي خلال شهر أكتوبر كان مبررا بسبب الأحداث الأخيرة والحملة الإعلامية الشرسة التي كانت تستهدف ضرب الاقتصاد السعودي والتأثير على نفسية المستثمرين ولولا تدخل الصناديق الحكومية وبعضاً من الصناديق الاستثمارية السعودية التي أعادت التوازن إلى السوق وتخفيف الأثر الناتج عن مبيعات المستثمر الأجنبي وكذلك المستثمرون الأفراد الذين عادة يتأثرون بالأخبار السلبية ويقومون بتصفية محافظهم مهما كانت خسائرهم دون النظر إلى أساسيات السوق والوضع الاقتصادي الجيد للدولة، وهذه الأزمة قد تفتح الباب لمناقشة وضع السوق مع زيادة نسبة الاستثمار الأجنبي مع الإدراج الفعلي للسوق السعودي في مؤشرات الأسواق الناشئة وتدفق الاستثمارات من خلال الصناديق التابعة لتلك المؤشرات مما يعني أن أي أزمة قد تحصل في المستقبل فإن ذلك يعني مبيعات عالية قد تتسبب في انهيارات كبيرة للسوق السعودي، وهنا لا بد من التنبه إلى ذلك وحماية المستثمرين من خلال تطبيق نموذج صانع السوق وسرعة التصريح بذلك قبل الإدراج الفعلي وكذلك وضع خطط بديلة تساهم في استقرار السوق في الأزمات الكبيرة، ومع أني ضد تدخل الحكومة في إعادة التوازن للسوق ولكن ذلك قد يكون مطلبا مهما مع حدوث الأزمات السياسية والحملات الإعلامية المغرضة التي تستهدف الإضرار بالاقتصاد السعودي.