معظم الناس لا يفرقون بين هذه الكلمات الثلاث.. غير أن المتأمل لسياق الآيات التي وردت فيها يكتشف وجود فوارق بينها من حيث: سرعة الحدث، وديمومة الفعل، وواقعية المعنى.. فالكلمة الأولى "مس" تأتي غالباً لوصف فعل سريع وخفيف وغير دائم.. خذ كمثال قوله تعالى: (إنَّ الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)؛ فمن هذه الآية نفهم أن الشيطان يمكنه أن يمس "حتى المؤمنين"، ولكنه لا يلامسهم مادياً، ولا يتلبسهم لوقت طويل؛ لأنهم بمجرد ذكر الله يعودون مبصرين.. أما الثانية "اللمس" فهي أقل سرعة وأطول مدة.. فإن كان المس سريعاً وخاطفاً، فإن اللمس يستغرق فترة أطول "كأن تلمس جبين ابنك لتعرف حرارته".. ليس أدل على ذلك من قوله تعالى: (أو لامستم النساء) حيث يقتضي التلامس فترة أطول من المس السريع والخاطف.. الكلمة الثالثة "تلبس" ترتفع في سلم الفعل والديمومة وفترة البقاء.. وهي مشتقة من اللباس الذي يتخذ شكل الجسد، ويبقى عليه فترة طويلة.. وهي تصف علاقة الاندماج والعشرة المستمرة بين طرفين، (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).. ولهذا السبب تستعمل لوصف تلبس الشيطان، وتلبس الممثل للشخصية، وكانت العرب تقول: تلبس به الشوك أي أبى الخروج منه.. ومعرفة الفوارق بين الكلمات الثلاث ضروري لفهم الآيات والنصوص الشرعية.. فبعض الناس مثلاً يمتنعون عن قراءة أو حمل القرآن بحجة (لا يمسه إلا المطهرون).. ولكن استعمال كلمة "المس" هنا يعني أن هذا التوجيه لا يتعلق بمن يريد قضاء وقت طويل في قراءة القرآن الكريم.. ولأن الكلمة تأتي أيضاً كتعبير مجازي قد يكون المقصود بالمطهرين هنا أصحاب النفوس الطاهرة التي تقبل على قراءة القرآن ولا تنفر منه.. وأخيراً هناك من يصدق بإمكانية تلبس الشيطان بالإنسان ويستشهد بقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).. ولكن لاحظ أن الآية تتحدث هنا عن حالة "مس" وليس "تلبس".. والحقيقة أنه لا توجد آية واحدة تتضمن كلمة "التلبس" بمعنى الاستيطان الدائم بجسم الإنسان "ومن يعرف يخبرنا".. التلبس الشيطاني فكرة عربية قديمة سبقت الإسلام حين (كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً).. كان حينها التفسير الوحيد للمظاهر النفسية الغريبة المشاهدة لدى المصابين بالصرع والهستيريا وانفصام الشخصية!!