في رأيي أن كتب السير الذاتية تعتبر كتب جيدة ومتميزة وفريدة، وذلك لأنها تنقل إليك خلاصة تجارب الشخصيات العظيمة في الحقول المتنوعة. عندما تقرأ سيرة أحد المتميزين في حقلك المعرفي أو أحد الحقول القريبة منك، فإنك تضفي إلى عقلك اللاواعي المزيد من الأفكار والمعارف والمهارات المتميزة. في سيرة الدبلوماسي والسياسي المصري الشهير عمرو موسى والتي كتبها في ثلاثة أجزاء، وصدر منها الكتاب الأول. يتحدث في واحدة من جزئياته عن مرحلة تطوير هيكلة الأعمال الإدارية لوزارة الخارجية المصرية. يقول بأنه عندما تسنم قيادة الوزارة وجد أن كل الأعمال المحورية في العمليات الإدارية تتلخص في ثلاثة دوائر كبرى. سمى هذه الدوائر، الأولى دائرة عربية، والثانية دائرة افريقية، والثالثة دائرة إسلامية. وقال أن هذه الدوائر تعمل بشكل متناسق ومتداخل مع بعضها البعض مما يعطي الانطباع لدى العاملين في الوزارة بأن الأعمال تعمل في أقصى طاقاتها الممكنة. بينما في الأصل أنه توجد دوائر أخرى مهمة يمكن للوزارة الدوران فيها بشكل متميز أيضاً. وأضاف بأنه اتجه إلى تفعيل دائرة دول البحر المتوسط لما لها من الأهمية القصوى لمصر لما فيها النواحي الجيوسياسية. هذه الالتقاطة تهمنا كإداريين وقادة وذلك بأن نعي وندرك الدوائر التي تعمل فيها جهاتنا الإدارية، وأن نحاول أن نفرز هذه الدوائر بشكل جيد ونعطي الأهمية للأهم فالمهم منها. بكل تأكيد أنه ليس من السهولة أبداً للمديرين والقادة معرفة خطوط الدوائر التي يعملون بداخلها، لأن انغماسهم الكامل في جزئيات العمل الصغيرة واليومية تمنعهم من الرؤية الشمولية الواضحة للمنشأة وتعاملاتها سواءً الداخلية أو الخارجية. وللوصول إلى تصور واضح لدوائر التأثير والعمل لدى القادة، فإنه يتوجب عليهم تمكين وتفويض العاملين تحتهم بالقيام بالأعمال اليومية المستمرة، والتفرغ لقراءة المشهد من جديد وتتبع المسارات الإدارية التي تفضي إلى الدوائر الكبرى. ماذا بقي.. يبقى لنا أخيراً أن نتذكر نصيحة د.غازي القصيبي بمذكراته الرائعة حياة في الإدارة، يقول: (لا ينبغي للرئيس الإداري -مهما كان تعلقه بالمؤسسة التي يرأسها- أن يختلق جدوى لا توجد، وأن يحرص على توسع لا ينفع).