"لست معي؟ إذاً أنت ضدي، ولا صوت يعلو فوق صوتي، أنا المدير والجميع يأتي من بعدي"، هكذا هي اللغة المركزية، وتلك هي السياسة الإدارية، عندما تحضر لدى المدير الأنا الذاتية، وتتحول رعاية المصلحة المؤسسية، وإدارة العلاقات المهنية، إلى منهجية المواقف الشخصية، والمواجهات الحادة الندية، وما يتبعها من الإفراط في استخدام سياط السلطة الوظيفية. حيث تبرز لديه مهارة صناعة الخصوم والأعداء، والتخلص من أصحاب الهمة الأكفاء، ويتبدل معه ميدان الإنجاز والعطاء، ليصبح ساحة صراعات ونزاعات، وأرض خلاف واختلافات، وحلبة تحدٍ ومجابهات. وعلى ضفاف اهتماماته الجوهرية، تجدها تكمن في فلاشات الكاميرات الإعلامية، وزيادة صفحات السيرة الذاتية، والتسلق إلى المناصب العليا القيادية. ولو غصت في أعماقه الفنية، لوجدت قاعاً قريب الأرضية، ومياهاً ضحلة سطحية، ولمست فيه ضعف الإنتاجية، وقلة الكفاءة والفاعلية، والهروب من المسؤولية، وإلقاء اللوم على البقية. أما الخاسر الأكبر.. فهي المنظمة الآن وأهدافها المستقبلية. وعلى النقيض من ذلك أروي لكم قصة أحد المديرين المعبرة، حيث أخطأ سائقه وضل الطريق مما جعله يتأخر ساعةً عن اجتماع مهم لديه مع إحدى الشركات، وكان يعرف ذلك المدير باحترامه الشديد للوقت والمواعيد، فغضب وأصدر قراراً بحسم مرتب شهر كامل لكل موظف يتأخر عن موعده. وكانت المفاجأة للموظفين أنه نفذ قرار الحسم على نفسه متحملاً مسؤولية خطأ السائق كونه لم يصدر نظاماً للتحقق من الطرق وتوجيه وتعريف السائقين بها، ذلك كان كونوسوكي ماتسوشيتا مدير ومؤسس شركة باناسونيك اليابانية. والمتأمل في قصة ذلك الرجل يلوح في أفق سمائه أولى دعائم وركائز قيادة التغيير والتأثير للنجاح وهي القدوة الحسنة، أو ما يعرف "القيادة بالقدوة" والتي تركز على أن يكون المسؤول الأول في الإدارة هو المثال الذي يسير على نهجه الجميع في التزام الأنظمة واللوائح، والنموذج الذي تجسد أقواله للموظفين أفعالاً يسبقهم في تنفيذها. وعلى صعيد آخر، تأتي أهمية انتهاج القادة لاستراتيجيات إدارة العلاقات الإنسانية والمهنية في المؤسسة والتي تؤمن بقيمة شركاء العمل، وأنهم جنود معلومون يقفون أمام كل قصة نجاح لا خلفها، ولابد من السعي الدؤوب لرصف الطرق في دروبهم، وحفها بعوامل الدعم والتحفيز لاستمرار المضي قدماً. ليس ذلك فحسب، بل يتعين أيضاً ممارسة القيادة التشاركية التي تؤكد على ضرورة التحالف مع العاملين في المنظمة ومشاركتهم جنباً إلى جنب على طاولة عمليات التخطيط وصنع القرار، وهذا معطوف كذلك على تبني القيادة التبادلية المبنية على المنافع في كلا الاتجاهين "أنا أربح وأنت تربح" والمكافأة على الإنتاجية. ختاماً أقول لكل مدير سيطرت ذاته، وتمكنت رغباته: نحن في حقبة طموحة حاسمة، تدفعها تنافسية متسارعة دائمة، تتطلب قيادة ملهمة حالمة، لتعمل على استخراج واستثمار الطاقات البشرية الكامنة، فإن لم تواكب ذلك وتتغير .. فاعلم يقيناً أنك لا محالة ستُغير. Your browser does not support the video tag.