من أعظم النعم وأجلّها على المرء بعد الإيمان بالله هو أن يهبه الله - عز وجل - وينعم عليه بمكارم الأخلاق، فتكون هذه الأخلاق الكريمة طبعه وسلوكه ودمه الذي يجري في عروقه، بل هي الهواء الذي يتنفسه، ولعل صفة الكرم والجود والإحسان وصنع المعروف هي في القائمة الأولى من قائمة مكارم الأخلاق التي مجدها الشعراء والأدباء، ودونها أرباب القلم ورواة الأخبار والمؤلفون في الكتب والأسفار القديمة. وفي كل عصر من العصور لا يخلو من كرماء وأجواد، وفي القرن الماضي الهجري الثالث عشر وفي الربع الأخير منه ولد أحد الأجواد، وهو عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن بن فواز بن حسن بمدينة الرياض، وهناك اختلاف يسير في تحديد ميلاده، فهو قد ولد في 1267ه، وقيل إنه سنة 1270ه، عاش وتربى في الرياض في عهد الإمام فيصل بن تركي في المرحلة الثانية من حكمه، وعاصر كل الأحداث التي أعقبت وفاة الإمام فيصل، فابن حسن -رحمه الله- شاهد عصر على كل هذه الأحداث الكبيرة، وعاش وتعايش وشاهد بعض هذه الأحداث التاريخية التي دونها المؤرخ ابن عيسى في كتبه، وأما نشأته فقد نشأ عند أخواله الأحمد، ويطلقون عليهم «آل حمد» بكسر الحاء والميم، وهي أسرة قديمة كريمة من أُسر الرياض ومنهم الشاعر الفحل فهد بن أحمد -رحمه الله-. نشأ الجواد المحسن عبدالعزيز بن حسن في بيت الأحمد؛ حيث إن والده الشيخ عبدالله بن حسن -رحمه الله- توفي وابنه عبدالعزيز لا يزال صغيراً، ولعل والده توفى في حدود 1275ه تقريباً، وعاش مرحلة الصبا والطفولة في هذا البيت الكريم مع والدته التي لم تدخر جهداً في تنشئة ابنها عبدالعزيز نشأة على الأخلاق الفاضلة وعلى احترام الآخرين من ذوي القربى والجوار، ويبدو أن عبدالعزيز بن حسن قد وهبه الله الفطنة وحِدة الذكاء؛ بحيث إنه كان يتعلم من مجالسة من هو أكبر منه سناً وأكثر خبرة ودراية بالحياة. بدأ من الصفر لقد كان اليُتم وفقد الأب مصدر القوة لدى عبدالعزيز بن حسن، وهكذا نجد كثيرا من العظماء في التاريخ كانوا أيتاما، ومنهم شخصيتنا هذه، الذي كان ملء السمع والبصر في العاصمة الرياض قبل أكثر من مائة عام، وبهذا تغلّب هذا اليتيم على ظروفه، وكان عصامياً وليس عظامياً، وبدأ من الصفر حتى أصبح من أكبر تجار الرياض إن لم يكن أكبرهم، ومن الوجهاء والأعيان، ومن أصحاب الرأي والمشورة، وإصابة الأحكام، والتفرّس في الرجال -رحمه الله-، وهذه المزايا لا تصدر إلاّ ممن أعطاه الله العقل والحكمة، وهكذا كان الجواد ابن حسن، وكلامي عنه من خلال بعض ما قرأته من سيرته، التي دُوِّن بعضها وفُقِد كثير منها، ومنها السيرة التي كتبها ابنه حمد بن عبدالعزيز بن حسن -رحمه الله- وهو شيء قليل ويسير، وما حدثنيه الراوية حفيده عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز بن حسن، وكذلك عبدالعزيز بن مساعد بن حسن وعبدالعزيز بن حسن -أبو أنس- عبر أكثر من لقاء، وعجِبتُ أشد العجب من شخصية كهذه لم يُهتم بتدوين سيرتها وتتبع أخبارها ومآثرها، ولولا جهد ابنه حمد وأحفاده هؤلاء الكرام لضاع الكل، فجزاهم الله خيراً على هذا الاهتمام. استشارة الملك بعد أن استولى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على الرياض، ترسخت علاقة المحسن عبدالعزيز بن حسن بالملك، فكان من أوائل الداعمين للملك عبدالعزيز بكل ما تحمله لفظة الدعم، وكانت أول مشاركته في بناء سور الرياض معروفة ومشهورة، عندما أمر الملك عبدالعزيز ببناء سور الرياض بعدما هدم من قبل، وبعض الوثائق التي عُثر عليها التي تخص العلاقة الراسخة بين الملك عبدالعزيز وبين ابن حسن لهي شاهدة على هذه الرابطة والصلة، وأنه له المكانة العليا والمقام الرفيع والمستوى الراقي عند الملك عبدالعزيز، وهذه الوثيقة مؤرخة بتاريخ 1322ه، والوثيقة لا تتعدى سطرين، لكن فحواها كبير وعظيم من الملك عبدالعزيز لشخصيتنا الوجيه ابن حسن؛ حيث قال الملك عبدالعزيز في هذه الوثيقة المهمة: «من طرف عبدالعزيز بن حسن رجال لنا ومحسوب علينا، ولا معارض له في جميع الأمور، أمره منا إليه يكون معلوما»، فهذه كلمات من الملك عبدالعزيز أن ابن حسن من خاصتنا، وأمر ألا يعارضه أحد في جميع الأمور، وهذه لا شك ثقة كبيرة بابن حسن، وحسن ظن من الملك عبدالعزيز، وقال حمد بن عبدالعزيز بن حسن في نبذته التي كتبها عن والده: «كانت له علاقة -أي ابن حسن- قوية بالملك عبدالعزيز، حيث كان يفوِّضه لشراء الأرزاق (التموين الغذائي) والسلاح اللازم له، حيث منذ دخوله الرياض وهو واقف معه وتحت رايته بالمال والسلاح والمشورة، وكان الملك عبدالعزيز يحترمه كثيراً، ويستشيره في بعض الأمور لكبر سنه ورجاحة عقله ومعرفته التامة بالرياض وما حولها»، ويروي حمد بن حسن -رحمه الله- روايات في نبذته، تدل على أجلَّ المواقف المشرِّفة لعبدالعزيز بن حسن من أول يوم تم الاستيلاء على الرياض ومراحل التأسيس، ولم يتوقف لحظة واحدة في المساندة تحت راية الملك عبدالعزيز. وثيقة تاريخية وعندما نطّلع على بعض الرسائل بين الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وبين ابن حسن، نجد بالغ الود والمحبة والتقدير والتبجيل من الملك لابن حسن، ومن هذه الوثائق والرسائل المهمة تلك الرسالة التاريخية النادرة التي تُعد مرجعاً ومصدراً تاريخياً عندما كان الملك عبدالعزيز على حائل في محرم 1340ه، وهي موجهة إلى الوجيه عبدالعزيز بن حسن، مضمونها أن الملك عبدالعزيز يخبر ابن حسن أخبار الوقائع، التي جرت عند الاستيلاء على حائل، وهي أطول رسالة ووثيقة موجهة من الملك عبدالعزيز إلى عبدالعزيز حسن، ولولا هذه الأهمية الكبرى لشخصية ابن حسن -رحمه الله- لما وجّه إليه هذه الرسالة التفصيلية عن حصار حائل، وهذه الوثيقة التاريخية مهمة وجديرة بالدراسة والتحليل؛ لأنها رواية من الملك عبدالعزيز، وتاريخ هذه الوثيقة 3 محرم عام 1340ه وفي تاريخ 29 صفر من العام نفسه تم الاستيلاء على حائل، ولا ندري أهناك وثيقة أخرى من الملك عبدالعزيز إلى ابن حسن تخبره بأنه تم الاستيلاء على حائل أم لا. هذا جزء يسير عن علاقة الملك عبدالعزيز مع التاجر عبدالعزيز بن حسن، ويخبرني عبدالعزيز بن حسن -أبو أنس- عن جده، أن الملك عبدالعزيز أهدى لجده سيارة من نوع فورد، ولعل ابن حسن من أوائل المواطنين من أهالي الرياض ممن امتلك سيارة في ذاك الزمن. صداقة ووفاء أمّا علاقة عبدالعزيز بن حسن بسمو الأمير عبدالله جلوي -أمير الأحساء- فهي علاقة صداقة ووفاء، حيث إن عبدالعزيز بن حسن كان له موقف مع الأمير عبدالله بن جلوي قبل استيلاء الملك عبدالعزيز على الرياض، وقد سمعت هذه الرواية من الراوية عبدالعزيز بن سعد بن حسن حفيد شخصيتنا، ورواها حمد بن عبدالعزيز بن حسن نجل شخصيتنا في نبذته، ونشرتها الكاتبة الباحثة ابتسام الزهراني في مقال لها عن ابن حسن، فهي قصة مؤكدة تدل على شهامة ونبل ومروءة ابن حسن؛ حيث إن أمير الرياض قبل استيلاء الملك عبدالعزيز على الرياض همّ بالأمير عبدالله بن جلوي شراً، فعلم ابن حسن فأخبر ابن جلوي وأعد له راحلتين ليسافر بهما إلى الكويت، ولم ينس الأمير عبدالله بن جلوي هذا الموقف الكبير، فاستمرت الصداقة بينهما، وكان الأمير عبدالله بن جلوي يستدعي الشيخ عبدالعزيز بن حسن إلى الأحساء ضيفاً مكرماً محتفى به غاية الاحتفاء والإجلال وقمة الاحترام حتى توفي الأمير ابن جلوي، وامتدت الصداقة كذلك بابنه سمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي أمير الأحساء بعد أبيه. بذل المعروف ولقد رزق الله عز وجل عبدالعزيز بن حسن المال والثروة، وهو من أكبر تجار الرياض في زمن الفقراء، وهم الأغلبية في المجتمع النجدي، فكان جواداً محسناً باذلاً للمعروف في مجتمعه الذي عاش فيه، وكان كثير الصدقات على الفقراء والمساكين، وقد حدثني عبدالعزيز بن حسن -أبو أنس- أحد أحفاده، أن الملك عبدالعزيز أطلق على ابن حسن أبو الفقراء، وقد روى حمد بن عبدالعزيز بن حسن في نبذته عن والده عدداً من القصص المؤثرة عن إحسانه وعطائه وسماحة نفسه، حيث بسط الكف لكل سائل أو طالب حاجة، فكان يعطف بالمال على الأيتام والأرامل، خاصةً بعض الأسر في الرياض، ويصرف لهم من ماله راتباً شهرياً مع الكسوة السنوية، وتزويدهم بالمؤونة الغذائية، وكانت له أوقاف على الأيتام، وكان نخل العبيدية -كما أخبرني عبدالعزيز بن مساعد بن حسن حفيد ابن حسن- وقفاً كبيراً على الفقراء والمساكين وطلبة العلم، وهذا النخل كان في بلدة عرقة، وكان يتعاهد طلبة العلم بالرعاية والإطعام والمواساة لهم في غربتهم. وروى ابنه حمد في نبذته، أن والده عبدالعزيز بن حسن الجواد المعطاء، كان يوزع التمر على الفقراء بنفسه بعدما يصلي العشاء في الجامع الكبير، ثم يجد الفقراء عند باب منزله، فيوزع عليهم كميات من التمر، وكان يوزع على المغتربين الذين جعلوا المسجد سكناً لهم، فيقوم هو بنفسه بإطعامهم التمر، كل واحد يعطيه مقدار ما يكفيه، تصور فرحة هذا الغريب الجائع الفقير بهذه العطية التي هي المصدر الرئيس للعيش، لقد كان عبدالعزيز بن حسن مضيافاً، ومنزله دائماً مليء بالزوار والضيوف، وكان يسكن في حي الحنبلي بالرياض، ويملك نخلاً، وقد بنى مسجداً هناك ولا يزال هذا المسجد قائماً حتى الآن. ممر القدّية ومن الأعمال الجليلة ومآثر عبدالعزيز بن حسن -رحمه الله- الكبيرة قيامه برصف ممر القدّية، حيث كان هذا من أوعر المسالك والطرق على المسافرين من الرياض إلى جهة الغرب، فتكفل على نفقته برصف هذا الممر بالحجارة وذلك عام 1355ه -كما ذكر ابنه حمد رحمه الله في نبذته-، وهذه لا شك صدقة جارية استمرت سنوات طويلة حتى استغنى الناس عن الجمال بالسيارات، وليت أمانة الرياض توثق هذا العمل بلوحة تذكرية تخليداً لهذا الإحسان من الجواد المعطاء عبدالعزيز بن حسن، الذي ما كف عن العطاء طيلة حياته، التي امتدت أكثر من مائة عام، ولو أن الأديب المؤرخ الإخباري المحسن بن علي التنوخي -رحمه الله- أدركه لكتب عنه في كتابه المستجاد من فعلات الأجواد، أو لنوه في موسوعته مشوار المحاضرة، فهو من المحسنين الصادقين الذين لا يتكلمون عن أفعالهم وعن إحسانهم؛ لأنه يريد بها الدار الآخرة. يُذكر أن عبدالعزيز بن حسن قد أوقف أرضاً كانت له في حي العود، وأصبحت مقبرة من مقابر العود التي دُفن فيها -رحمه الله-، ومن جانب آخر فإن من مآثره كان يُضحي أضحية كل سنة للشيخ محمد عبدالوهاب. ناشر السرور هذه بعض مآثر ومناقب عبدالعزيز بن حسن، هذا الرجل الأريّحي، الذي كان ملاذاً وملجأ للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ومضيافًا للغرباء، وناشر السرور والفرح في كثير من البيوت التي خيّم عليها البؤس والضنك، بأن وسّع عليهم وأحسن، وكان -رحمه الله- يقرض قرضاً حسناً ويمهل المعسرين، وأحياناً يتنازل عن هذا القرض رفقًا بهم طلباً للأجر والمثوبة. ولعل من المفيد أن نذكر أن أسرة المشخص واليوسف والمهنا والحسن يجمعهم جد واحد هو فواز، ومن أسرة آل مشخص كان منها ممن شاركوا في الاستيلاء على الرياض. لقد فاضت روح الشيخ عبدالعزيز بن حسن عام 1373ه بعد أيام من عيد الأضحى في شهر ذي الحجة بعد ما تجاوز المائة، ولعل الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ينطبق عليه «خيركم من طال عمره وحسن عمله»، فابن حسن نحسبه ذلك والله حسيبه. عبدالعزيز بن حسن كان من أكبر تجار الرياض قديماً جمعته علاقة صداقة مع الأمير عبدالله جلوي ابنه حمد بن عبد العزيز تكفل برصف ممر القدية بالحجارة سكن في حي الحنبلي في الرياض Your browser does not support the video tag.