أسفت أنني لم أتمكن من تشييع جثمان الشيخ الوالد عبدالله بن حمد الحقيل، وذلك لتلقي العلاج في مستشفى مايو كلينك - في مينيسوتا الولاياتالمتحدة الأميركية.. وهو الذي قد عُرف في مصاف الأدباء والمؤرخين السعوديين، وبكل ما قدَّمه من إسهامات فكريّة وثقافيّة، بالإضافة إلى أنه تخرج في كلية اللغة العربية 1958، وحصل على دبلوم التربية من بيروت 1962، وعلى الماجستير من جامعة أكلاهوما 1973. وتدرج في مناصبه التي تولاها حتى أصبح أميناً عاماً لدارة الملك عبدالعزيز ومديراً عاماً لمجلتها. ولد عام 1357ه/1938م بالمجمعة وكان مروره في هذه الدنيا ذا أثر برَاق، فما تبوّأه من موقع ريادي مكنه من إنجاز ما يستحق المتابعة والاهتمام، إذ نشأ في أسرة تحمل عظمة التقدير للعلم والعلماء فكان ملازماً لعلماء مثل الشيخ حمد الحقيل، وعبدالعزيز التويجري، وربما تأثر بشخصية والده في تكوينه. كان الأديب الحقيل معروفاً بمنهجه وحضوره الفكري والعقلي المميز، فكان يشهد له بحسن الاختيار ليس على مستوى الكتابة الأدبية فحسب وإنما أيضاً في انتقاء القصائد، إذ كنت أعمل قبل ثلاثين عاماً في مجلة اليمامة سكرتيراً للتحرير وكان إما أن يُسمعني قصيدة هاتفياً نشرت في مجلة اليمامة آنذاك، أو جريدة الرياض، أو إحدى الصحف الأخرى، أو يعبر لي عن إعجابه بها.. فقد كان نهماً في القراءة واسع المدارك في الاطلاع وكان بشكل مستمر يبدي لي ملحوظاته المهمة أو يعبر عن ثنائه على المواد المنشورة في ذلك الوقت، وبحكم صداقتنا التي بدأت بالكلمة وتجلي الحرف الأدبي في عروشه ومنازله أصبح يحظى بمكانة ومنزلة عالية بالنسبة لي. الشيخ الحقيل له خصال أخلاقية متعددة، كان رجلاً لطيف المعشر ويتمتع بحيوية قوامها البشاشة والخلق الكريم وسعة العلم وغزارة الإنتاج إلى جانب أنه متحدث، هادئ المعاملة وهذه العلاقة المستمرة التي نشأت بيني وبينه لم تتوقف على مرِّ الزمان بل تطورت لما هو أبعد من ذلك، فهذا الرجل الحذق كان محباً، خلوقاً، محفزاً، داعماً، مسانداً، ومشجعاً، حتى عندما تعينت مديراً لتحرير مجلة اليمامة وأجريت مع شخصيات ذات ثقل سياسي وفكري حواراتي المهمة، وكان يدعم ويؤيد كل فكرة جميلة متأملاً بعين الراصد وقد لمست دقة ملحوظاته وأبعادها. لم يتوقف ذلك عندما تعينت رسمياً رئيساً لتحرير مجلة اليمامة، كان مباركاً لهذه الخطوة وداعماً لمسيرتي الإعلامية. بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز قدم خدمات جليلة نظراً لتعدد المجالات التي تستهويه وثقافته الموسوعية وفكره العميق، كان واعياً كمؤرخ راصداً لكل الرموز التاريخية، له مشاركات بالكتابة في الصحف والمجلات فضلاً عن أحاديثه الإذاعية ومشاركاته في المواسم الثقافية والأدبية، وقد تجسد اهتمامه من خلال الكتب التي أنتجها تأليفاً، في مقدمتها كتابه "شعاع في الأفق" وله مكانة راقية، فالمتطلع لمسيرته يقف إجلالاً واحتراماً لهذه الشخصية المميزة، بأعمالها، وإبداعاتها الكثيرة، والمتنوعة معرفة وعلماً. وممن تركوا آثارهم على هذا الشعاع المنير في الأفق ورصدوا كتاباتهم نحوه هم: عبدالله الزيد، والصفصافي أحمد المرسي، ومحمد حسين زيدان.. وبرحيل هذا المؤرخ الفاضل اليوم 30 أكتوبر 2018 عزائي لابنه خالد الحقيل، ومعالي وزير الإسكان ماجد الحقيل، وعبدالملك الحقيل، والدكتور مساعد الحقيل، وأسرته الكريمة.. وبوفاته نكون قد فقدنا رجلاً مخلصاً وطنياً بامتياز متمسكاً بثوابت دينه، وأمته.. سيظل عطاؤه الأدبي نهراً تنهل منه الأجيال المقبلة فكراً مستنيراً واعياً، وسيبقى خالداً بأعماله، وإنجازاته، وكتاباته كمؤرخ، ومواقفه الصادقة النبيلة. مينيسوتا- (الولاياتالمتحدة الأميركية) [email protected] Your browser does not support the video tag.