ليس محض صدفة أن تفيق قرية «رُجَالْ» بمحافظة رجال ألمع على نداءات التطوير، وإعادة صياغة التأهيل من الجهات الرسمية والخاصة، يقودها مسؤولون في مقدمتهم سمو أمير عسير، وسمو رئيس هيئة السياحة، وسمو نائب أمير عسير على أن تشد من همتها وتعيد اصطفاف إنسانها ومكانها وحجارة مبانيها وقصورها الشامخة وألوان قطها الزاهية. لتكمل مشوارها التراثي الحضاري، وليشاهده العالم أجمع من على قائمة التراث العالمي باليونسكو. نعم .. إنها قرية «رُجال» القادمة من تجاويف الجنوب التي أكملت الثلاثين عاماً وتزيد ثلاثاً من العمل والجهد وإعادة البناء، وإن كانت تلك السنوات هي جزء من عمرها الممتد في أعماق التاريخ. وهذا ما جعلنا ننطلق غرباً من مدينة أبها على طريق مرتفعات السودة أنا وزميلي «فهد الفيفي» الذي نقل بعدسته واقع الجمال والتراث، لنقطع المسافة ونهبط من خلال عقبة الصماء الموصلة إلى محافظة رجال ألمع حاملين مهمة البحث عن إجابة سؤال واحد .. لماذا قرية «رُجَال» إلى اليونسكو..؟ حيث وجدت السؤال كفيلاً بأن يجعلنا ننبش الماضي ونفتح صفحات التاريخ ونستعيد من الذاكرة قصة الإنسان والمكان لقرية رجال.. لنضعها على صفحات «الرياض». فما إن وصلنا لقرية «رجال» عقب مسافة تزيد على الخمسين كلم حيث تقع في محافظة رجال ألمع وتحديداً في وسطها يفصلها عن ألمع الشام جبل رز أو رُز كما ينطقه الألمعيون، وهو اسم العقبة التي كانت تفصل بين ألمع الشام «الشمال» كما يسمونه، وألمع اليمن «الجنوب» نسبة إلى ما كان جنوباً باتجاه اليمن. وهي محاطة بالجبال من جميع الجهات فمن الشمال جبل رز ولصاف ووفاز ومن الجنوب جبل عودة ومجرى وادي بيح ومن الشرق رواح وكدس ومن الغرب عانزة قاعدة وحجاب. «تاريخ القرية» وفي ثنايا القرية العتيقة كان أول حديث مع المؤرخ والأديب محمد حسن غريب في مكتبته العامرة بالتاريخ، حيث أشار في حديثه عن القرية ما ذكره الدكتور عبدالله أبو داهش في كتاب «أهل السراة في القرون الإسلامية الوسيطة» حيث قال: «تأتي بلدة رجال برجال ألمع من المراكز العلمية المعروفة في هذه الأنحاء وقد قيل إنه جاء ذكرها في القرن الخامس الهجري وإنها كانت تنافس مدينة حلي بن يعقوب ومدينة محايل تهامة». وأضاف غريب قائلاً: هنا تجدر الإشارة إلى أن التجارة من أهم المجالات التي طرقها الأوائل من سكان بلدة «رجال»، وذلك ما حتمته التضاريس الجغرافية للمكان من ضيق وندرة للأماكن الصالحة للزراعة. فكان سكان تلك القرية من الرواد الأوائل الذين برعوا في تجارتهم وأتقنوا التعامل بها حتى لم يعد يذكر سواهم في هذا المجال في تلك الحقبة خاصة العصور الغابرة. وأعاد الأسباب إلى موقع القرية الذي جعل منها معبراً للقوافل وسوقاً للتداول التجاري في حينها، حيث كان يصل للقرية يوم الجمعة أكثر من 200 جمل في قافلة تجارية قادمة من ميناء القحمة قديماً كانت قد بدأت مسيرها قبل الوصول بيومين. فيما كانت تستقبل قوافل الحجاج الإفريقيين والآسيويين القادمين عن طريق اليمن حيث كان نُزُلهم مسجد القرية وكان الأغنياء من القرية بخلقهم النبيلة التي يمارسها الأهالي كافة يقدمون لهم احتياجاتهم من طعام وشراب وأي مستلزمات، وكانت تصل حد الإقامة للوافدين من القوافل لحد الشهرين. «قصة التأهيل» وروى غريب قصة إعادة التأهيل والانطلاقة الأولى التي أشعلت فتيل الهمة في قرية رجال للمحافظة على تاريخ المكان وشواهده المتمثلة في القصور المتراصة، حيث قال: «قدمت من الرياض العام 1404 ه وقد وجدت القرية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة فكنت من أسس وأوجد المتحف الأول بالقرية، فيما تم العمل على تشكيل فريق من أهالي القرية لإعادة التأهيل وبناء ما تهدم من قصور ومنازل. وقد تم افتتاح القرية مجدداً العام 1407ه على يد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة عسير آنذاك حيث كان هذا التاريخ نواة العمل والانطلاقة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا متجاوزين ثلاثين عاماً من العمل لأجل إعادة الحياة للقرية». «قيمة مكانية» ومن جنبات القرية المطلة على شموخها التقينا الكاتب والباحث التاريخي «علي مغاوي» الذي أجاب على سؤالنا بقوله: «إن قرية (رُجَال) ترقى إلى هذا المستوى للتراث العالمي؛ لأنها ذات تاريخ وثقافة وتفاصيل في التراث المادي واللامادي، وهي تستحق أن تكون ضمن هذه القرى الملهمة والمدهشة التي تمثل هذه القاعدة الكبيرة من الماضي وتنطلق إلى جبين العصر. وأضاف: «هي قابلة للتطوير والاستثمار ولأنها قابلة للدراسة والتحليل وكذلك قابلة لأن تكون موضوعات رابطة بين الماضي المتراكم من المهارة في البناء والفنون لأنها ذات تاريخ في تفاصيل التجارة عرفت الدعاية والإعلان العملية أكثر مما كنا نتخيل بعد أن بحثنا ودققنا في تفاصيلها. كما أن طرازها المعماري يحافظ عليها في ذاتها ويحافظ على أهلها الذين امتهنوا التجارة، هذه الأبراج المحيطة بها من ثلاث جهات وأيضاً من الرابعة كان هنا برج وكان هناك في أم الركب برج وكان في أم ناظر برج. كل هذه الأشياء، كل هذا التراكم جعلتها حقيقة أن تكون ضمن هذا التراث العالمي كجانب مادي يتمثل في العمران وتفاصيله». وأشار مغاوي إلى الجانب غير المادي حيث قال: «من الجانب البشري غير المادي فأهلها كما كل الناس، ولكن حينما نتكلم عن القرية فأقول إن أهلها خبرات متنوعة يعني المهندسين والفنانين والكتاب والشعراء والتراثيين وأهل البناء وأهل الحرف الراقية هؤلاء المكون الحقيقي لمفهوم التراث، وبالتالي لقد أفرز هذا التعاون والاتساق بين الناس لأن تكون في هذه المرحلة وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من العمل تشق طريقها لقائمة اليونسكو، وليس الهدف تلك القائمة بقدر ما نعمل لأجل وطننا والبقاء لهذا المكان ليكون شاهداً على إنسان هذه المرحلة». «تطويرات عاجلة» حظيت رجال ألمع بمتابعة مستمرة وتوجيهات بأعمال تطويرية عاجلة تحقق وصولها إلى قائمة اليونسكو حيث شهدت الأسبوع الماضي زيارة تفقدية لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، يرافقه صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة عسير. وذلك للوقوف على الأعمال الجارية لتطوير قرية رجال ألمع، والتقى سموه الفريق المكلف بتنفيذ المشروعات العاجلة وأعمال التطوير واستكمال المتطلبات الرئيسة لتسجيل القرية في قائمة التراث العالمي. فيما يواصل نائب أمير عسير ميدانياً متابعاته ولقاءاته مع الأهالي وفريق الأعمال التطويرية السريعة ومسؤولي الجهات ذات العلاقة لإكمال وتجديد البناء والتأهيل للقرية ودراسة الفرص الاستثمارية لها. «أعمال جديدة» وفي جانب الدور الذي تقوم به بلدية رجال ألمع في إعادة التأهيل والأعمال الجديدة للقرية أوضح لنا المركز الإعلامي لأمانة عسير أن بلدية محافظة رجال ألمع قامت حالياً بإزالة المبنى الجديد الموجود فوق المطعم والمجلس، كما تمت إزالة الجدار الموجود خلف مبنى الاستقبال وإرجاعه كما كان «حجراً» ومعالجة أرضية وجدران الممرات في القرية، وإزالة جميع القضبان الحديدية الموجودة في سطح المباني، وكذلك إزالة المخلفات والنفايات والحطام المتراكم وتنظيف الموقع وإزالة غرف الضيوف واستبدالها بتراس مفتوح مناسب لبيئة القرية وإزالة الإضاءات الملونة في المباني ووضع إضاءة أرضية في الممرات بمكان مناسب مع توحيد لون الإضاءة في القرية. كما تمت إزالة مظلة كبار الزوار وإزالة الكتابات الحجرية ورصف سطح المحلات التجارية ووضع درابزون خشبي بالممرات والأماكن المهيئة لذلك وإنارة البرج المطل على القرية والدهانات الخارجية للمباني الخرسانية في القرية ومعالجة الجداريات الإسمنتية في القرية وإخفاء جميع الأعمال الكهربائية «الأسلاك» والأعمال الصحية والتكييف وإزالة أعمدة الإنارة الحديدية في الساحة واستبدالها بأعمدة خشبية وتهذيب وتنظيم المسرح وتجهيز غرف محولات بعدد 3 غرف وتحسين السياج الحديد على الحدائق ووضع لوحات تعريفية لدخول القرية والمناطق المحيطة بها. «هيئة السياحة» وعن دور هيئة السياحة في تأهيل وتطوير الخدمات بالقرية أفادت بأنها بدأت العمل على ملف موقع رجال ألمع بمنطقة عسير في قائمة التراث العالمي، حيث سلمت الملف لمركز التراث العالمي باليونسكو في يناير 2018م. وستكون قرية رجال الموقع السادس، بعد نجاح الهيئة وشركائها في تسجيل كل من: مدائن صالح كأول موقع سعودي يدرج بالقائمة، وحي الطريف بالدرعية التاريخية، ثم موقع جدة التاريخية، ثم مواقع الرسوم الصخرية بمنطقة حائل، وأخيراً واحة الأحساء كخامس موقع سعودي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو. هكذا كانت حصيلة الأجوبة على سؤالنا الذي يؤكد أن قرية رجال التراثية في محافظة رجال ألمع بمنطقة عسير أحد أبرز المواقع التراثية في هذا الوطن، وأن العمل لإعادة الحياة فيه وتطويره وتقديمه عالمياً بات مطلباً يوازي ما تحتفظ وتتباهى به قرية رجال من مكانة تاريخية وتراثية، وقيمة لإنسانها الذي كان السبب الرئيس في تحول الأنظار إليها. قرية رجال لوحة تراثية في طريقها لليونسكو تم ذكرها في القرن الخامس الهجري الأمير سلطان بن سلمان و الأمير تركي بن طلال يقفان على أعمال القرية الجديدة الأديب محمد غريب مؤسس متحف ألمع بالقرية علي مغاوي متحدثاً للزميل الأحمري (عدسة/ فهد الفيفي) Your browser does not support the video tag.