التفكير عملية معقدة قد فندها العالم «بلوم» بأنها تبدأ بالمعرفة المجردة متجهة نحو استيعابها من ثم تطبيقها ليتسنى بعد ذلك تحليلها ومن ثم إعادة تركيبها لتنتهي بتقييمها. يصبح بهذه الخطوات لدى المتعلم نوع من التذوق للمعرفة قبل أن تخلد في عقله الباطن كمسلمات. وتمنح المؤسسات التعليمية في الغرب للتفكير حيزاً كبيراً بل هو المجال الأوسع حتى في المراحل المبكرة من التعليم. والتفكير يبدأ دائماً بعلامة الاستفهام «؟». وهذا يعني أن الطالب في الغرب لا يسير وفق المجردات التي تغرس في ذهنه، ولكن قبل أن تغرس لابد من تفنيدها وجلب التبرير لغرسها، فينشأ الطفل هناك متسائلاً عن كل ما يدور حوله من ذرات ومجرات ومجتمع، ونحن على العكس من ذلك فلا نجد في مؤسساتنا التعليمية لمفهوم التساؤل الذي يغذي جانب التفكير أي حضور مشرف، بل كبتاً معرفياً وفكرياً للطالب أحياناً من أن يعبر عن رأيه ولو في مسألة نظرية أو شرعية - مثلاً - بحجة أن من سبق قد أقفل كل أبواب الاجتهاد في المسائل فلا يحق لك أن تجتهد أبعد من ذلك، وهذه السلوكيات منعت الكثير من الطلاب في التفكير من الزوايا المختلفة بل وحجبت الأسئلة من أن تثار حول كل موضوع وجعلت المعرفة مجرد تلقٍ من طرف واحد «معلم مسلسل بمنهج» ومن ثم استفراغ هذه المعارف في نهاية العام في ورقة الإجابة دون أي حيز للتفكير أو النقد أو حتى الإبداع، فكيف سنبدع؟ لابد من إعادة النظر في مناهجنا التي نغذي بها طلابنا ونقلها نقلة نوعية من منهج جامد لا يتصرف إلى منهج مرن يتماشى مع عقل الإنسان، إن السؤال والتدبر والتفكر في كل شيء أمر واجب بنص القرآن (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) وهذا الآية ليست تمنحك حيزاً أن تسأل في منهج تعليمي فقط بل تمنحك أن تسأل عن كيفية تكوين هذا الكون العظيم، لكن حجب مثل هذا النوع من التفكير أناساً؛ لأنهم لسنوات قد شنوا حرباً شعواء على المنطق والفلسفة وإعمال العقل لأنها- في حد زعمهم - تخرج الإنسان من دائرة الدين، وتجعل صاحبه يشك في كل شيء، لكن التصور ليس كما يزعمون، وإنما لديهم توجس بأنه متى ما فكر التلميذ فسيكون صانعاً للمعضلات التي قد يعجز أن يرد عليها شيخه. Your browser does not support the video tag.