أمر غريب أن نجد العالم يخاف علينا، ظهرنا أم اختفينا، وهو لا ينظر ولا يخاف على أطفال فلسطين الذين يذبحون كل يوم، ولا يرى النار المشتعلة في اليمن وفي ليبيا وفي سورية وفي العراق وفي كل مكان! ثم ينقلب بدوله ورؤسائه على فرد هو يعلم حقيقة أين هو؟ في زمن الهكسوس أرسل خيان ملك الهكسوس رسوله إلى سقنن رع أو تاعا الثاني ملك مصر، ليبلغه بأن أصوات أفراس النهر في طيبة تمنعه من النوم وتقض مضجعه في عاصمته أواريس في الشمال! فأدرك حينها سقنن رع المغزى من وراء ذلك أنها ذريعة وفرية (تحرش) لاحتلال مملكته؛ إذ إن المسافة بين أواريس عاصمة الهكسوس في شمال مصر تبتعد عن طيبة في جنوب مصر بحوالي ألف كيلومتر. وكانت هذه بداية تحرشات الهكسوس لاحتلال ما تبقى من بلاده المصرية. لا أدري كيف يجرِّم العالم التحرش، ويدرجه في قوائم الإجْرام ثم يمارسه بدون خجل! وهو يعلم أن أمره مكشوف وذرائعه واهنة، بل أوهن من عش العنكبوت، فيمضي في إبرام الدسائس ثم التشهير وكأنه يرى بقية العالم بنصف رأس، في يوم ينظِّر فيه هذا العالم إلى العولمة والقرية الواحدة والسلام والإنسانية بدعائية جوفاء سمجة فاقدة المصداقية! فجميعها أبواق جوفاء لا ترن إلا حينما تقذف فيها الأموال القذرة! فلم تكد تخفت نار ريجيني إيطالي الجنسية وما حوته من شرر وشرور حول مصر وما يحاك لها حتى تظهر لنا قضية جمال خاشقجي بين عشية وضحاها! بين مؤامرات ودسائس وإعلام قذر وكاذب حتى تُصم الآذان واتخاذه كبش فداء لطموحات هم وحدهم من يعلمونها! ومن المعروف أن خاشقجي مواطن سعودي، والسعودية وحدها هي صاحبة الحق في المطالبة بكل الحقائق التي سادها الغموض حول مواطن من مواطنيها؛ فهو يحمل جواز سفر بلاده الذي يضمن له الحماية والرعاية في أي دولة ينزل بها مادام أعطته الحق في استقباله وإقامته. ولا أدري كيف تنقلب الحقائق حول هياج دول ليس لها الحق في المطالبة قبل بلاده هو، فبلاده هي من تقلب العالم رأساً على عقب حتى ترى أين مواطنها وما الذي جرى معه. والحقيقة التي عهدناها أن البلاد التي هو فيها لحظة اختفائه هي المنوطة بالحفاظ عليه بحسب القوانين الدولية، وألا تبرئ نفسها بإلصاق التهم بغيرها. فرجيني حينما اختفى بشكل غامص كان المبرر أن بلاده - إيطاليا - تطلب وتنادي بحقائق اختفائه وهذا أمر مشروع، أما أن تستبق أمريكا وأوروبا وتركيا وقطر بالمطالبة وبإدانة بلادي التي لا تعرف العمل في الخفاء، فأعتقد أن هذا تحرش أشبه بتحرش خيان نفسه في عصور ما قبل الميلاد وكأن العالم لا يبلى بل يعيد بناء نفسه على ذات الخسة والنذالة مهما وصل من تطور! ما الذي أشغل العالم بالمملكة دون غيرها ولا نستثني مصر أيضاً؟ لأنه يعلم أنهما الدولتان الوحيدتان القائمتان على مستوى ربوع الوطن العربي كقوتين عظيمتين وكبيرتين ومتعاضدتين في وجه المخططات التي لا تخفى على أحد! ومن هنا كان يجب التحرش وإبرام المؤامرات في دهاليز الأستار القذرة التي لم تعد - وفي هذا الزمان - تنطلي على أحد، ولكن البجاحة تأخذ مداها! والأغرب أنها تجد آذاناً تستطيل كل مساء أمام شاشات الإعلام الكاذب والمفضوح. أمر غريب أن نجد العالم يخاف علينا ظهرنا أم اختفينا وهو لا ينظر ولا يخاف على أطفال فلسطين الذين يذبحون كل يوم، ولا يرى النار المشتعلة في اليمن وفي ليبيا وفي سورية وفي العراق وفي كل مكان! ثم ينقلب بدوله ورؤسائه على فرد هو يعلم حقيقة أين هو؟! وما الذي جرى له؟! فهم يعلمون وبكل تأكيد أين جمال خاشقجي وما الذي جرى له؟ ونحن لا نهون من هذه القضية ولكننا نثق تمام الثقة في حكامنا وفي دولتنا بأنها لا ولن تترك حق مواطن من مواطنيها مهما ابتعد أو اقترب عن وطنه، فإن له درعاً وسيفاً متجلياً في حكام ودولة قوية فلا ولن تتركه يذهب كبش فداء كذريعة لمؤامرة قذرة. فنحن أصحاب الرأي والكتاب السعوديين نكتب منذ عشرات السنين ولا نجد من دولتنا إلا التقدير والتكريم والجوائز والحث والتشجيع. فكيف يُلصق بها أنها ضد كتاب الرأي والصحفيين؟! لا والله إنها فرية خيان ملك الهكسوس ذاتها تتجسد لنا اليوم وبكل بجاحة! دائماً وأبداً في محاكمنا وفي محاكم العالم كله منذ أن انتصب ميزان العدل بألا تسمع شهادة الخصم ولا يعتد بها ولا يستند عليها، وكل هذا الترويج - الكاذب الذي يحذف تغريداته بين الفينة والفينة ثم يعيد صياغتها كما يتراءى له، وبحسبما توجهه شهيته النقدية أو قل النقودية، لأنه مهزوز ومتأرجح وخائب في حياكة الكذب - هو إعلام الخصوم والمؤتمرين؛ فيستبقون الحقائق بالرغم من أن التحقيقات لا تزال تُبحث ولم يظهر أي خبر منها، إلا أن هذا الإعلام لا يزال يؤمن أن هناك آذاناً مستطيلة وبطبيعة الحال خاب ظنه فالمتلقي أصبح على وعي وتعلم الدرس. ولذلك فالدولة السعودية دولة ثقيلة لا تهزها رياح الخيابة والخائبين، ونحن على ثقة كبيرة بأنها ستصل للحقيقة وستخرص المتحرشين، لأنها دولة كبيرة وقوية ونحن نثق بها كما جاء ذلك في تصريح أسرة خاشقجي الوطنيين الشرفاء والعارفين بما يحاك لبلادهم؛ وإن دل ذلك على شيء فلا يدل إلا على أننا شعب واحد وعلى قلب واحد ومفتاحه في يد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين؛ لأنهما أحبا الشعب فبادلهم الحب بالحب والثقة بالثقة رغم أنف الكائدين والحاقدين والمزايدين. إن المملكة قادرة على إماطة اللثام وأخذ حق مواطنها أينما كان، فهي صاحبة الحق في البحث والتحقيق والتقصي وهي كفؤ لذلك. وفي نهاية الأمر يسود المثل القائل «يا جبل ما يهزك ريح». Your browser does not support the video tag.