الأدب شريان الحياة المتدفق من وإلى النفس، وغذاؤها الذي يقيم صلبها الثقافي. يصنعه القلة ويستمتع به الأكثرية، ماذا إن مُنع هذا الغذاء من السريان إلى أرواح النشء .. هل لهم أن يستقيم عودهم وتقوى شوكتهم أمام متغيرات العصر السريع. أدب الطفل الحاضر على استحياء أو الغائب بلا وجل عن مشهدنا الثقافي .. إلى أي مدى سيبقى على مقاعد الأدباء ولا يُزج به في معترك الحراك المجتمعي، ليأخذ طريقه إلى أطفالنا الذين أسرت عقولهم صيحات التقنية العابرة؟ وحول هذا الموضوع تحدث ل»الرياض» عدد من المثقفين عن آرائهم. "غذاء الروح" وأكد الكاتب إبراهيم محمد شيخ مغفوري عضو نادي جازان الأدبي على أن الإنسان لا يستغني عن الأدب الذي يغذي روحه مثلما يغذي بدنه بالطعام وخاصة الطفل، فهو رجل المستقبل وأم المستقبل، وإذا أبعد عنه الأدب فقد خسر شيئاً عظيماً بل قلْ خسر التوجيه للحياة السليمة التي تجعل حياته طيبة وتربطه بمستقبل باهر ونبراس ينير له الطريق. لقد سبقتنا دول لتثقيف أطفالهم تثقيفاً أدبياً سليماً دون النظر إلى عوائد مالية بل إنهم يبذلون الغالي والنفيس من أجل ذلك، وأنا رأيت ذلك بأم عيني في بعض الدول، وقد بدأت بوادر ثمار ذلك المشروع الرائع، ونحن لا نقل عنهم، فبلاد الحرمين فيها الخير الكثير وأهلها أهل الخير وحكامها أهل السخاء والكرم، وما يحتاجون منا إلا أن نقدم البرامج لتثقيف الطفل، وسيكونون بإذن الله خير عون لنا. "الأدب المنسي" وتقول الكاتبة الدكتورة أروى خميس: عالم أدب الأطفال هو عالم فاتن وجميل مفتوح على عدة جهات متقاطعة من الفنون، حيث عمق الفكرة وطرافتها يعبّر عنها باللغة السهلة الممتنعة، يحيط كل ذلك إطار فني من رسوم ذي مدارس فنية وتقنيات متعددة. وفي هذا الإطار يقوم أدب الأطفال بتقديم منظومة متكاملة، فالقصة تقدم معاني إنسانية وقيماً حياتية بشكل غير مباشر، واللغة تغذي منابع الأدب وطرق التعبير، والرسومات والإخراج الفني يعرّضان الطفل لشكل آخر من التعبير، ويؤكدان على أهمية ودور الفن في حياتنا. بهذا المفهوم يتسع عالم أدب الأطفال ليتعدى الحدود التي تعارف عليها المجتمع فيما مضى، فهو ليس مجرد كتاب يخبر الطفل بطريقة وعظية ما يجب عليه فعله أو اجتنابه، هو ليس فقط أداة لتعليمه القراءة أو إعطائه بعض المعلومات، هو لا يشبه الكتاب المدرسي والتعليمي التقليدي في شيء خاصة في ظل الانفتاح اللامتناهي على وسائل التواصل والميديا المختلفة وصيحات التقنية العديدة. وأضافت أروى أن أدب الأطفال بهذا المفهوم لم يعد للأطفال فقط بل هو يجذب كل محب للأدب والفن، وكل مهتم بهذه العلاقة بين هذه العناصر. وفي ظل التطور العالمي في مفهوم أدب الأطفال وصناعته وإنتاجه لابد لمؤسساتنا الثقافية والأدبية من إدراجه ضمن فنون الأدب المشهود لها والتي تقام لها الفعاليات وتخصص لها الميزانيات، كما أنه ينبغي على الأدباء والمثقفين الالتفات إلى هذا الأدب المنسي وإعطاؤه حقه من النقد والتقدير والمنافسة، وأخيراً على مؤسساتنا التعليمية تشجيع توجه القراءة في المدارس عبر إنشاء المكتبات، والسعي قدماً لأن يكون للكتاب وللأدب مكانة في نفس الطفل منذ صغره، فهذا المعنى من أجمل وأقيم المعاني التي يمكن أن نحاول منحها لأطفالنا. "تنمية الإحساس" وأوضح د. صالح بن معيوض الثبيتي متخصص في أدب الأطفال أن أدب الأطفال هو البلسم الشافي للأطفال، ينمي فيهم أهداف عديدة منها تنمية الحس الوطني من خلال الأنشودة والقصة القصيرة والرسالة الأدبية، وتغرس فيهم آلية كيفية الكتابة بكلمات جميلة جديدة والتعويد على مهارة القراءة وفن الاستماع، وينشئ جيلاً واعداً بالموهبة، فأدب الأطفال لم يجد حقه الوافر من العناية والاهتمام، فالأندية الأدبية اهتمت بأدب الكبار وتجاهلت أدب الصغار، فنحن بحاجة إلى عقد دورات للطفولة في الأجناس الأدبية كافة. "النواة الأولى" وأكدت د. أميرة إدريس أن لكل زمان طفلاً يناسبه في الماضي عندما كنا أطفالاً كنا نسعد بمجلات الأطفال التي كان يقوم بإعدادها كبار الأدباء، وأيضاً البرامج الإذاعية التي كانت خريطة الإذاعة تخصص لها جزءاً من الاهتمام لا يستهان به رغم ضآلة الإمكانات في الماضي، لكن كان الاهتمام كبيراً بالطفل وأدب الطفل أما الآن تغيرت المفاهيم وفقاً للتقدم التكنولوجي، وأصبح للطفل اهتمامات أخرى سيطرت على وقته وعلى اهتماماته مثل أجهزة الكمبيوتر والوسائط المختلفة التي تحوي ألعاباً تجذب إليها الطفل مما جعل اقتناء أحد هذه الوسائط الإلكترونية أهم من اقتناء كتاب لتراجع أدب الطفل نظراً لعدم الإقبال عليه في ظل الوسائط الإلكترونية المتعددة. وأضافت أميرة :يجب علينا أن نواكب التطورات التي تطرأ على مجتمعاتنا، ونجد البدائل الجاذبة للطفل. إن الأطفال أذكياء رغم صغر سنهم ويعرفون ماذا يريدون، فإن لم تكن نداً لهم ولأفكارهم فلن تستطيع أن تجاريهم وحتماً سيفلت منك الزمام ويضيع من يدك الطفل، وتفقد كائناً حياً كان بإمكانك أن تحتويه وأن تزرع فيه القيم والمبادئ السامية. أما بالنسبة للأدباء فيجب تشجيعهم للكتابة للطفل؛ لأن أدب الطفل لا يقل أهمية عن أدب الكبار. كما يجب أن تقام مهرجانات لأدب الطفل يشارك فيها الأدباء أسوة بمهرجانات السينما. أشعر أننا في زحمة الحياة أهملنا الطفل ونسيناه ونسينا أن الطفل هو النواة الأولى لمستقبل المجتمعات التواقة إلى التقدم والازدهار الفكري. "البديل المناسب" وأشار أ. د. عبدالرحمن رجا الله السلمي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز إلى أن الأدب الموجه للأطفال ينبغي أن يهتم بمراعاة مداركهم ومشاعرهم النفسية وأن ينموا معهم بنمو أعمارهم العقلية والروحية والجسدية، ومن الأهمية أن يتسم أدب الأطفال بلغة خاصة يراعى فيها المتعة والفائدة حتى يسهم هذا الأدب بإرهاف حس الطفل والارتقاء بذوقه الأدبي والفني، ومن المهم أن ينهض الأدباء والمثقفون بواجبهم في توفير البديل المناسب لجيل الأطفال وأن يسدوا الثغرة والفجوة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة التي تمثلت في طغيان الجانب المادي لدى الأطفال على حساب الجوانب الأدبية والإبداعية، ومن المهم توظيف الفنون الأدبية والفنون الأدائية في تنمية الحس الأدبي والذوقي الفني لدى الأطفال على اختلاف مستوياتهم العمرية. "المرحلة الذهبية" وأبانت د. سارة العبد الكريم عضو كلية التربية بجامعة الملك سعود أن يكون الطفل قارئاً هو أمل كل مربٍ، ورسالة كل معلم وهدف كل دولة. فالأمم القارئة هي أمم راقية بثقافتها سامية بأخلاقها متقدمة بعلومها. لذا كان من المقلق تأخر أطفالنا في تعلقهم بالكتاب. فلنتأمل في ممارساتنا اليومية كمربين ومعلمين لنقيّم محل الخلل. ليس من ثقافتنا اصطحاب الطفل للمكتبات لشراء القصص بشكل معتاد وليس من ثقافتنا أن نشتري لهم كتاباً كهدية ومكافأة. وليس من ثقافتنا أن نقرأ لطفلنا قصصاً ممتعة يومياً. وليس من ثقافتنا أن نعوده على تخصيص بضعة دقائق قبل النوم ليقرأ لوحده. وليس من ثقافتنا شغل وقت فراغه في أوقات الانتظار بالسيارات والعيادات والمطارات بالقراءة له أو تصفحه للكتب. بل من ثقافتنا السخرية من القارئين، من ثقافتنا نعت القارئ بانطوائي، من ثقافتنا نعت القراء بلقب ممل، مذيلة ب"مسكين"، كيف لنا أن نتساءل بعد ذلك كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ مرحلة الطفولة المبكرة هي مرحلة زرع الاتجاهات، ومرحلة تأسيس الميول، بمعنى آخر ... هي المرحلة الذهبية لصنع فرد قارئ. وأضافت قائلة: لا يمكن القول بتاتاً: إن المؤسسات التربوية لدينا لم تحاول صنع الطفل القارئ لكن لا يمكن القول بتاتاً إنها نجحت في جهودها. تلك الجهود محدودة الفائدة التي غالباً ما تمحورت حول إقامة المهرجانات ومسابقات القراءة. هذه المسابقات النمطية التقليدية تقيمها المدارس لتسجل لهم جهودهم في سجلات الوزارة وتدور حول تحفيز الطلاب على قراءة كتاب محدد ومن ثم الإجابة على أسئلة محددة عليه، ولا يمكن أن يتم ذلك دون إغرائهم للمشاركة بهدية مالية لا علاقة لها بالقراءة. وكأن القراءة في حد ذاتها عقاب يستحق الطالب أن يكافأ على ممارستها مرة في العام أثناء إقامة هذه المسابقات. نعم! مرة واحدة في العام! فحالما تنتهي هذه المسابقة تسقط الكتب من أيدي الطلبة كجمرة حارقة!. Your browser does not support the video tag.