خلية القصة * كيف لك بداية أن ترسم لنا ملامح فكرة نادي القصة التونسي ومجلته «قصص»؟ نادي القصة بالوردية هو خلية من خلايا نادي الثقافة أبو القاسم الشابي تم بعثه سنة 1961، ويعتبر من أهم المؤسسات الثقافية الموجودة في تلك الفترة بمدينة تونس، فهو يجمع الأدباء والمثقفين، ويعقد الندوات منذ تأسيسه من طرف الأديب العروسي المطوي، وكذلك الأديب الطاهر قيقة الذي ساعده في بعث مجلة «قصص» التي تجمع أسبوعيًا كُتّاب القصة وقرّأها والنقاد لليوم، ومجلة «قصص» التونسية هي ضمن حلقة من المجلات الثقافية التي بدأت منذ مطلع القرن العشرين في الحضور بالساحة الثقافية؛ لكن أهم ميزة لهذه المجلة أنها مجلة مختصة بشكل تام للنصوص البكر التي لم تنشر من قبل والدراسات النقدية والتحليلية التنظيرية التي تحاول أن توضح تقنيات كتابة القصة وتحليل نماذج منها، وأيضًا استعراض الفنيات المستعملة في الآداب الغربية الأخرى على وجه الخصوص، ولعل من أهم ما ساهمت به مجلة قصص في المرحلة الأولى هو تلك الحفريات التي قامت بها والتي اعتبرت في تلك الفترة من أهم الاهتمامات وهي البحث عن أوليات القصة التونسية، وكان للمرحوم صالح الجابري على وجه الخصوص دور أساسي وكذلك عز الدين المدني، ثم برز بعد ذلك الاهتمام بالنظرية القصصية، وهذا كان مزامنًا للأصداء التي كانت تبلغنا من الغرب عن النظرة النقدية الحديثة التي جاءت بعد الكتابات المعروفة في تلك الفترة، وطبعًا كان للبنائية والهيكلية والشكلانية في تلك المرحلة وكل هذه الأصناف التي أصبحت في مرحلة موالية أكثر حضورًا في واقع كتابة القصة، كان لها مساهمة أولية وحاسمة بالتعريف بالنظرية الأدبية، بالإضافة إلى مساهمتها بترجمتها للقصص الأجنبية، كل هذه الجوانب تجعل توجه مجلة قصص شاملًا عن بقية المجلات الأخرى. ترسيخ وتجذير * وفقًا لهذا التوصيف.. هل ساهمت مجلة قصص في تكوين قاعدة جماهيرية لهذا الجنس الأدبي؟ هي كونت مجموعة من الأعضاء وكُتّاب القصة، وعددهم في تزايد وتنوع كتابتهم وانتماءاتهم الفكرية وتنوع إنتاجهم، ويمكن أن نقول إنها قد ساعدت على ترسيخ أو تجذير الكتابة القصصية في واقع الإنسان التونسي ومكنت في مرحلة موالية إصدار العديد من المجاميع القصصية، منشورات قصص بلغت اليوم 50 مجموعة، بحيث يمكن أن نعتبر جهود نادي القصة ككل والمجموعة التي وراءها قد توجهت بالأساس إلى ترسيخ حضور القصة في الأدب التونسي الحديث وجعل القصة والرواية من المفاهيم التي أصبحت أكثر واقعية اليوم في الكتابة السردية التونسية وتميزت في مرحلة ما على مستوى ما يكتب في العالم العربي. جماهيرية الأدب * من واقع تجربتك كيف يمكن أن نجعل القصة فنًا «شعبويًا» يتجاوز أسوار الأندية والنخبوية؟ الأدب بصفة عامة نخبوي بالأساس، والسعي لجعله يتسرب إلى الواقع الجماهيري أي واقع القارئ في مفهومه العريض لا بد أن يوظف في دورة ثقافية تضمن له التحول، وتضمن له الانتشار عن طريق تعدد الوسائط، فمثلًا القصة التي تنشر في مجلة أو كتاب لو أمكن أن يعرض منها أو تعرض هي كلها في شكل مصور تلفزيوني أو تسمع في الإذاعة أو تحول إلى مشاهد سينمائية أو مسرحية أو غير ذلك، كل ذلك يجعل منها جانبًا أدبيًا، وتسربها أيضًا إلى الكتاب المدرسي والمطالعة يمكن أن يكسبها هذا البعد الذي تقول عنه جماهيريًا، فهناك القليل من الكُتّاب الذين تطورت آثارهم الأدبية لكي يصلوا للمواطن العادي، ولعل من الأمثلة التونسية ما نجده في رواية (برق الليل) لما قدمت في شكل مسرحية إذاعية في نهاية الستينيات لاقت نجاحًا جماهيريًا رائعًا إلى حين أصبحت شخصيات عديدة من هذه الرواية قريبة من المواطن العادي، هذا ما ينتظر من الأدب لكي يصبح جماهيريًا، أن يتغلغل في الثقافة اليومية لدى كل دورة الإنتاج الثقافي. غذاء ثقافي متنوع * كيف تنظر إلى المنظومة الثقافية العربية الحديثة، هل تجدها بعيدة عن التفاعل مع المتغيرات وأن نتاجها في مجمله ليس سوى طريقة شكلية للمثاقفة مع الآخر؟ أعتقد أن الثقافة في أي مرحلة هي بشكل من الأشكال صورة للسائد في الفكر الوطني، ونتيجة التفاعلات التي تتحكم فيها، ونحن شاهدنا منذ مطلع النهضة في القرن التاسع عشر حتى اليوم العديد من التحولات في الفكر العربي بصفة عامة والأصناف الأدبية التي أصبحت راسخة اليوم، ولو رجعت إلى النهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لوجدت أن المقال الأدبي والقصيدة كانت من الأصناف الأدبية الطاغية، وتدريجيًا بدأ المقال الصحفي، ثم بدأت تظهر القصة، والقصة نفسها لم تعد مجرد صنف شامل وإنما وقع فيها تخصيص (القصة القصيرة) و(الرواية). أصبحنا منذ 30 سنة نتحدث بكثير من الفهم لما نسميه اليوم الرواية، وأصبحت الرواية تقريبًا هي ديوان العرب الحديث بعد أن كان الشعر هو ديوان العرب من قبل، لذلك أعتقد أن اليوم بما تحمله الفضائيات وكل ما ينقل عن طريق الحوامل السمعية البصرية وسع كثير من مفهوم الثقافة ومفهوم الأدب وفتح أيضًا الثقافة على كل مفاهيم أخرى غير جانب الإبداع والتخيل على جانب المعلومة، كل هذه الأشياء أصبحت اليوم متفاعلة، وأعتقد أن الإنسان العربي اليوم لا يستطيع أن يكتفي فقط بقراءة جريدة وغير ذلك؛ بل هو يحتاج إلى كثير من الغذاء الثقافي المتنوع. الإبداع والتلوّث * هل يمكننا أمام التنوع التكنولوجي المحافظة على ثقافتنا المتنوعة؟ يمكننا ذلك إذا انغرسنا في الجذور.. كلما كان وعيننا بجذورنا ومنطلقاتنا التراثية وتصورنا لمستقبلنا في اعتزاز بما كناه وبما نريد أن نكونه في المستقبل كل ما أمكننا أن نبقى متميزين في إبداعنا وفي تصورنا لمستقبل المجموعة التي نجد أنفسنا اليوم نشاركها في مشكلات التلوث (التغيرات المناخية)، وكل المشكلات التي تهدد الكوكب، وإذا كنا إلى الآن لم نطرح بعد هذه القضايا في مستوى الإبداع بل فقط في مجالات الاختصاص فقريبًا سنكون في حاجة عندما نلاحظ أن التغيرات المناخية أصبحت تؤثر في بلداننا سواء لتوفير الغذاء أو توفير المعيش اليومي، وعندما نصبح نحس أكثر بأن التلوث من المشكلات التي تعيق نمو الأجيال، عندنا وتتسبب في الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تهم مختلف الطبقات الاجتماعية عندها قد يصبح المثقف والمبدع ينظر إلى هذه المشكلات. مجرد انتماء * هل شغلك نادي القصة عن الهواجس التي كانت تحرك قلمك؟ لا أعتقد.. فنادي القصة مجرد انتماء والتزام بالنسبة لي. في فترة ما قررت أن ألتزم بحضور جلسات النادي وأن أكتب بشكل شبه مستمر بمجلة قصص قبل أن أصبح مسؤولًا عن تطوير الإنتاج والمحافظة على هذا المكسب الثقافي، وأعتقد اليوم بعد تفرغي أصبح في إمكاني أن أخصص وقتًا أكثر لكل هذه الأشياء. استمرارية غائبة * كيف تبدو علاقة نادي القصة التونسي بالنوادي العربية الأخرى؟ هي أكثر من جيدة مع بعض الأفراد الذين أمكن لهم أن يتنقلوا سواء من تونس أو حتى من البلدان الأخرى سواء للتعرف على النادي هنا أو الذهاب إلى تلك النوادي، لاحظنا أن أغلب هذه النوادي ليس لها استمرارية والجدية التي ميزت الوضع في تونس لذلك أغلب تلك النوادي تنشط فترات قصيرة وأغلب نشاطها قل أن يتجسم في دوريات متواصلة لمدة طويلة وخاصة مختصة في مجال القصة فيما عدا القصة المصرية التي أمكنها وإن كانت أخذت صبغة مختلفة عن القصة التونسية عن قصص، لذلك في الواقع أنا أكرر دائما أن خارج علاقات اتحاد الكتاب العرب لم تكن هناك علاقات ثقافية متينة إلا عن طريق السفارات التونسية في بعض البلدان وذلك نشاط رسمي لا يلزم الأدباء ولا يدفعهم كثيرًا إلى التعلق بتلك النوادي خاصة أن عقلية الإنتاج الأدبي في البلدان الخليجية ليست هي عقلية المبدع في البلدان المغاربية، فهناك يبدو الإنتاج الأدبي وكأنه طرف فكري أكثر مما هو حاجة تعبيرية في حين أنه عندنا هو جزء من المعيش اليومي للكاتب، وأحيانًا يكون وضعه هو الذي يدفعه للكتابة للتعبير عن مشكلات واقعه. أعمال عديدة * ما آخر أعمالك؟ آخر أعمالي المطبوعة هو الكتاب المشترك الذي أصدرناه سنة 2010 أنا والمرحوم رضوان الكوني، (قصص من تونس)، وهو انطولوجيا لخمسين سنة من القصة التونسية أو أكثر في الواقع، وهو مسح للقصة القصيرة منذ مطلع القرن العشرين حتى السنوات الأخيرة، إضافة إلى ذلك طبعًا هناك كتابات أخرى آخرها ما نشر في العدد الأخير من مجلة «قصص»، وهي تعريب مجموعة قصصية لعبدالكريم قابوس من الفرنسية إلى العربية، إضافة إلى كتابات أخرى ما زالت تحت التنظيف، لم تنضج بعد لكي تخرج ربما بسبب مشكلات الطباعة حيث لا أستطيع أن أغامر كثيرًا فأنا كثير التردد في النشر على نفقتي الخاصة.