حدثتكم في آخر مقال عن قانون نيوتن الثالث، وكيف أنه ينطبق حتى على حياة وتصرفات الأفراد.. يتعلق القانون بحركة الأجسام المادية، وكيف أن لكل فعل رد فعل مساوياً له في القوة، ومعاكساً له في الاتجاه.. ضربت مثالاً بالتدخين والريجيم والرياضة، وكيف أننا نتعامل معها من خلال ردود الأفعال وحالات شد وجذب تشبه حركة البندول.. أيضاً قانون نيوتن الثالث ينطبق على المجتمعات البشرية التي تمر خلال تاريخها بردود فعل فكرية وأيديولوجية مماثلة لها في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه.. فالحرب العالمية الثانية مثلاً ظهرت كرد فعل لاستسلام ألمانيا المهين في الحرب العالمية الأولى «حيث عزف هتلر على رد الإهانة واستعادة كرامة الأمة الألمانية».. كما تسبب انهيار الأنظمة الماركسية المنغلقة في روسيا والصين بردود فعل عكسية نحو الانفتاح الاقتصادي والتحرر الاجتماعي وإعادة بناء كل معبد وكنيسة تم تدميرها في عهد ستالين وماوتسي تونج.. حدث هذا أيضاً في كمبوديا وفيتنام، ويحدث حالياً في كوبا وإيران «حيث كبت الحريات ينجم عنه توجه معاكس نحو التحرر ومقاومة الطغيان».. وحين أتأمل حال مجتمعنا المحلي أرى أنه مر بردود فعل معاكسة للتطرف والانفتاح على حد سواء.. بدأ مع عهد الملك عبدالعزيز الذي أدرك استحالة بناء دولة عصرية بوجود الإخوان المتشددين «الذين انشقوا عليه بحجة رفضه محاربة الجيوش البريطانية في العراق والخليج».. دخل مجتمعنا بعدها في مرحلة انفتاح واعتدال حتى أتى غزو أفغانستان، وطغى التيار المتشدد مرة أخرى تحت مسمى الصحوة.. وخلال هذه الفترة تم التضييق على الناس والتدخل في حياتهم وأفراحهم وعباداتهم لدرجة تراكمت مواقف مضادة لدى غالبيتهم.. وعند حد معين انكسر جدار الصمت، ولمسنا مؤخراً بوادر انفراج معاكسة «يظنها البعض مفاجئة»، ولكنها ردود فعل معاكسة لفترة تضييق استمرت لثلاثين عاماً.. وما أخشاه هو أن حالة الانفراج الحالية ستولد حالات استياء مكبوتة ستنتهي «ربما بعد ثلاثين عاماً من الآن» بردود فعل معاكسة تعيدنا مجدداً لحالة التشدد الفكري والاجتماعي التي مررنا بها مرتين.. حتى الآن. أرجو أن نتفهم هذه الظاهرة ولا نساهم «هذه الأيام» في بناء حالة كبت جديدة قد تنفجر مستقبلاً في الاتجاة المعاكس.. لا يجب أن نشجع ردود الأفعال ومظاهر التشمت والاحتفاء بانتهاء «الصحوة».. لا يجب أن نؤيد مظاهر الانفلات بحجة الحرية، أو المجاهرة بحجة الانفتاح.. يجب أن نتصرف بعقلانية ونبني مجتمعاً طبيعياً «معتدلاً ومتسق الاتجاه» مثل مجتمعات عالمية كثيرة لا تملك مواقف فكرية حادة أو ردود فعل متذبذبة.. باختصار؛ يجب أن نتنبه لنتائج قانون نيوتن في حياتنا الخاصة والعامة، ونحد من توجهاته المعاكسة وردود أفعاله القاسية.. أن نتعلم كيفية تجاوزه من خلال تفهم طريقة عمله - أو على الأقل التخفيف من حدته من خلال التدرج والتسامح وعدم المبالغة في ردود الأفعال ذاتها.. Your browser does not support the video tag.