قضية الوعي هي من القضايا التي أوليها اهتماماً شخصياً، وفي تصوري بأنه ينبغي على اللاعبين الاجتماعيين/الأفراد أن يولوها اهتماماً وليس ذلك وحسب بل اهتماماً متقدماً في حياتهم؛ لأنك كلما ارتفعت في مستويات الوعي، كلما كانت نظرتك مختلفة للحياة تفكيراً ومشاعراً وسلوكاً، وبالتالي فما يمر عليك من تحديات في حال كانت درجة وعيك مرتفعة ستقابلها بأسلوب تعامل يختلف عمن تنخفض درجة وعيه من حيث القبول والتخلي عن فكرة الصراع وعدم الانخراط في سلسلة متوالية من الظنون السوداء والتفكير المستظلم، وليس ذلك وحسب بل حتى على مستوى المتعة والبهجة تجد الإنسان الواعي تتكثف فيه لحظاتها - المتعة والبهجة - بخلاف الآخر والذي ربما أحدث لها تدميراً، إذ سرعان ما تتلاشى وتذوي دونما ذكرى تسمح لها بالبقاء. وهنا بالتحديد تنسدل لنا قائمة من الأسئلة نحو: ما هو هذا الوعي؟ وبأي الطرق يعمل؟ وهل هو من يلتفت فيرى الأشياء أم الأشياء هي التي تلفت انتباهه؟ وهل هو سلبي وأشبه ما يكون بعلبة فارغة تمتلئ من معطيات الخارج بالضبط كما يتلقى جوال أحدنا صورة ابنه أو خطاباً يرسله رئيس عمله بحيث يكون دور الجوال أنه ناقل للصورة/ سلبي؟ أم هو إيجابي من حيث أنه يجعلك تبني إدراكاتك نحو التجارب التي تمر بها، فعندما ترى قطة في الشارع وأنت تقود سيارتك فمباشرة يلتقط وعيك ذلك المشهد فيبني وبشكل آنيّ ولحظي وبأقل من برهة من الزمن من خلال الإدراك الكامن فيه؛ فكرة كيف يحافظ على سلامة تلك القطة وأن يمنحها فرصة للحياة فيتجنب الاصطدام بها حتى ولو أحدث بعض الخلل في انضباط المسار الذي يسير فيه. وكان من بين أساطين الفكر في القرن العشرين وكبار الفلاسفة من ناقش قضية الوعي وطرح من خلالها مجموعة من الأسئلة والمفاهيم، أعني مؤسس الظاهراتية إدموند هوسرل "1859 - 1938" وهو يطرح فكرة أننا أمام اِلتفاتة إدراكية تتوجه صوب وعينا فيتحرك وعينا صوبها، وهذا طرح عميق جداً، وإلا فلماذا يرى خالد من الفرص التجارية ما لا يراه إبراهيم، وكلاهما أبناء السوق مثلاً!؟ ولماذا يلتقط أحدهم الخيار الأنسب ويسير فيه مسروراً، وصاحبه يلتقط الخيار الأصعب فيتلكأ عيشه ويضيق صدره!؟ إننا فعلاً أمام اِلتفاتة إدراكية عجيبة. Your browser does not support the video tag.