لا تكف الحكومة التركية والمريدون لها عن الحديث عن مؤامرة ضد الاقتصاد التركي مصورين مشهد الانخفاضات المتتالية لسعر العملة بأنه عمل من صنع أعداء تركيا فهل هذا الادعاء حقيقي؟ يحاول هذا المقال تبسيط وتوضيح جذور ما يحدث للعملة والاقتصاد التركي. لا يمكن النظر للاقتصاد التركي بمعزل عن الأوضاع السياسية التي تعيشها تركيا وخصوصا خلافها مع الولايات الأميركية ولكن هل يمكن اتهام هذا الخلاف الحديث بأنه خلف انخفاض العملة المستمر والحقيقة أن سعر العملة التركية ليس جديداً فهي في انخفاض لم يتوقف منذ 40 سنة وبالتركيز أكثر على الفترة التي حكم فيها حزب العدالة التركي منذ العام 2002 حتى الآن فإن الانخفاض ظل مستمراً من سعر 2 ليرة مقابل الدولار عام 2005 إلى 4.5 ليرة في بداية 2018 أي قبل الخلاف التركي الأميركي. لاشك أن الاقتصاد التركي قد نما بشكل سريع جداً في السنوات الماضية بمعدل نمو قياسي وصل إلى 7 % وهو ما رفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 850 مليار دولار في العام 2017 إلا أن هذا النمو السريع الذي اعتمد على سيولة وديون خارجية قد سبب مشكلة جوهرية في الاقتصاد برفعه معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة وصلت إلى 16 % بالمقارنة بمعدلات أقل من 3 % في السعودية وبريطانيا وفرنسا وأميركا وهو ما أدى إلى انخفاض سعر العملة مقابل العملات الرئيسة. ولتحفيز النمو شجعت الحكومة التركية الشركات على الاقتراض من خلال سياسة نقدية توسعية حتى وصلت قيمة الديون إلى 250 مليار دولار أغلبها من بنوك أوروبية ومع أداء العملة وارتفاع الفائدة على الدولار فإن هذا يضع عبئا ماليا إضافيا على الشركات التركية والاقتصاد وقد يؤدي إلى حالات عجز عن السداد. كما واكب النمو الاقتصادي ارتفاعا قياسيا للصادرات وارتفاعا للواردات بمعدلات أعلى من الصادرات وبالتالي خلق عجز في الميزان التجاري متزايد بقيمة 77 مليار دولار وهو ما رفع الطلب على العملات الأجنبية مقابل الليرة وبالتالي انخفاض أكبر في سعر العملة في الأسواق العالمية. إن الأسباب الحقيقية للمشكلة التركية مرتبطة بالسياسة الاقتصادية لا ترتبط بالأوضاع السياسية بشكل كبير إلا أنه مع توتر العلاقات الدولية فإن ظروف تفاقم المشكلة قد تزيد بزيادة ضعف ثقة المستثمرين بأداء الاقتصاد والسياسة الخارجية وخصوصاً مع إصرار الرئيس التركي عدم رفع معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم وتغيير وزير المالية الذي كان ينادي بذلك وتعيين زوج ابنته بدلاً عنه، وللخروج من الأزمة فعلى الحكومة التركية تصحيح المسار الاقتصادي والسياسي من خلال خفض معدلات التضخم واتباع سياسة دولية ودية وأكثر إيجابية بعيدة عن الاستقطابات المريبة بهدف صناعة علاقات تساهم في استقطاب المستثمرين. Your browser does not support the video tag.