ثلة من الروائيين كتبوا رواياتهم الأولى في عقدهم الثالث أو الرابع، ولكن ثمة كتاب آخرون لم يكتبوا رواياتهم الأولى إلا بعد ذلك بسنوات كثيرة جدا، وباستعراض سريع وموجز لبعض هؤلاء الكتاب، نجد الروائية الأمريكية ذات الأصول الأفريقية توني موريسون، نشرت روايتها الأولى وهي تقترب من سن الأربعين، وهي السن التي بدأت فيها الروائية التشيلية إيزابيل الليندي كتابة روايتها الأولى «بيت الأرواح»، وكانت حينها في فنزويلا. أما الكاتب الأمريكي مارك توين فلم يكتب عمله الأول إلا بعد أن تجاوز الأربعين، وكذلك في سن الثانية والأربعين نشر الروائي الأمريكي هنري ميلر أول أعماله. بينما لم تنشر الروائية الروسية لودميلا أوليتسكايا أول أعمالها إلا في سن الخمسين، وبررت ذلك في حوار كان لها في صحيفة «الرياض» بأنها وريثة للأدب الروسي العظيم، فقالت: «حين تكون وريثا لأدب عظيم، تصبح الكتابة على درجة كبيرة من المسؤولية. ولهذا السبب لم أتجرأ على نشر كتابي فترة طويلة، ونشر أول كتبي حينما أصبحت في سن الخمسين». وقد نشرت الكاتبة البريطانية بينيلوبي فيتزجرالد، التي يصفها الكاتب الأرجنتيني الشهير ألبرتو مانغويل بأنها واحدة من أعظم روائيات القرن العشرين، أولى رواياتها وقد تخطت الستين عاما. بينما قدّم الروائي الصربي زوران جيفكوفيتش تبريرا جميلا لبدايته الكتابة في الخامسة والأربعين، فقال: «أدرس طلابي حقيقة حول فن الكتابة، وهي أنهم لا يتوقعون أن يكونوا كتابا جيدا في سنواتهم المبكرة. السبب بسيط جدا. فلكي تصبح كاتبا عليك ببساطة أن تقرأ كثيرا. إذا كنت ترغب في قراءة ليس فقط أفضل ما أنتج في الأدب العالمي، وإنما النخبة، فعليك أن تستثمر بذلك ليس فقط سنوات، بل عقودا. بدأت الكتابة حينما كنت في الخامسة والأربعين. أنا الآن في الثامنة والستين، وأحيانا أشعر بالأسف أنني لم أنتظر بضع سنوات أخرى قبل أن أصبح كاتبا». هذا يضعنا أمام تساؤل عميق: هل ينطبق هذا فعلا على الجميع؟! ماذا لو شعر الكاتب أن لديه ما يقوله قبل ذلك بكثير؟ في سن الثلاثين مثلا؟ هل ينتظر حتى يفرغ من القراءة ويمضي سنوات أكثر؟ ماذا لو بدأ في سن مبكرة وترك العمر القادم يصقل موهبته؟ هل ثمة فعلا سن معينة للكتابة؟ يقول الروائي والمفكر الكيني نغوغي واثيونغو وهو يحتفل بعيد ميلاده الثمانين: ما يمكن أن يقدم تفسيرا لمثل هذه الحالة: «إن أفضل رواية هي تلك التي لم أكتبها بعد. طوال حياتي كنت أسعى لأن أكتب وأدون تلك الرواية. أتممت رواية، ثم شعرت بأنني لم أكتب الرواية التي كنت أرغب في كتابتها بالضبط. لذا فإنني دائم السعي خلف تلك الرواية التي كنت أحاول كتابتها. آمل أنني حتى في سن الثمانين لا يزال بإمكاني محاولة كتابتها. فبالنسبة للفنان، كل نهاية هي بداية جديدة». نغوغي واثيونغو لودميلا اوليتسكايا زوران جيفكوفيتش Your browser does not support the video tag.