منذ نشأة الحركة الرياضية في المملكة وحتى يومنا هذا هناك أسماء غادرت الساحة الرياضية بعد أن كان لها صيت وكما يقال بالعامية «حنة ورنة» وجاءت مغادرتها لميدان الرياضة طبيعية وكسنة من سنن الحياة إذ أن دوام الحال من المحال لذا تعاقبت أجيال وأجيال هناك من غادر وهناك من أقبل وحضر من مسؤولين في قطاع الرياضة ورؤساء أندية وإداريين ونجوم كرة ومدربين وأعضاء شرف تحتفظ بهم ذاكرة الرياضة ويحفظ لهم التاريخ ما قدموه لرياضة الوطن، و»الرياض» من باب واجبها تجاه هؤلاء ومهنيتها الإعلامية سلطت عليهم الأضواء من جديد رغبة في معرفة أحوالهم وذكرياتهم وانطباعاتهم عن الرياضة بين الماضي والحاضر وضيفنا لهذا اليوم هو الحكم الدولي السابق محمد المرزوق. خليل جلال الأفضل.. والإعلام تسبب في عزوف الجماهير *عرفت بأنك أحد الحكام الدوليين السعوديين الذين بدؤوا باكرا في خدمة الرياضة والتحكيم، لكن أين أنت الآن؟ * نحمد الله خدمنا السلك التعليمي والرياضي أكثر من 41 عامًا وتركنا المجال الرياضي لغيرنا وهذه هي الدنيا يختلف الأشخاص العاملون في كل فترة زمنية، وشخصيا أواصل حياتي اليومية بكل تفاؤل وروح متجددة مع زملائي واصدقائي القدامى وكذلك مع الجيل الجديد من الشباب فالتواصل دومًا وبشكل يومي مع الوسط الرياضي وغيره من أفراد المجتمع. مكافآتنا كانت 25 ريالًا.. ونبحث عن الشغف لا المال *ما أول وظيفة رسمية عملت بها وما المحطات التي أعقبتها؟ -عملت معلم تربية رياضية وبعدها تم نقل خدماتي إلى رعاية الشباب في العام 1395ه كمسؤول في مكتب المنطقة الشرقية حتى تقاعدت العام 1421ه، في حين خدمت في مجال التحكيم مدة تصل إلى 20 عامًا بدأت العام 1383ه كحكم ساحة ومساعد في آن واحد، إذ كان ال"فيفا" يمنح الحكم الحرية في التكليف للساحة أو مساعد حكم، كما عملت عضوًا في اللجنة الرئيسة أعوام عديدة نائبًا لرئيس اللجنة وكان آخر عهد لي في العمل الرسمي باللجنة الرئيسة كرئيس لها إذ استمريت لثلاث سنوات وبعدها تفرغت للعمل كمراقب فني للمباريات حتى تم انتهاء المدة القانونية لي لأترك السلك التحكيمي والذي مثل في مسيرتي الشيء الكثير وحتى الآن ألمس محبة الرياضيين لي على الرغم من تركي للسلك التحكيمي، حتى إنني أواجه أشخاصا لا أعرفهم ويقبلون رأسي احتراما لسني ومسيرتي الرياضية وهذا هو أفضل ما حصلت عليه من الرياضة سواء من منتسبي الأندية أو من الجماهير الرياضية بمختلف ميولها. *ما أبرز سمات الجو العملي لكم في فترة وجودكم كمسؤول في اللجنة الرئيسة أو كحكم؟ -التحكيم له ذكريات جميلة لا تنسى خصوصا وأننا حضرنا كهواة ورغبة وحب للرياضة وكنت مع فهد الدهمش ومثيب الجعيد وصالح غلام وعبدالرحمن الدهام وإبراهيم الحلبي - رحم الله الأموات - نشارك في دورات عدة في بريطانيا وغيرها من الدول وكنا نعمل كفريق واحد يعرف معنى الاستشارة الحقيقية التي تكون للصالح العام وليست لصالح هذا أو ذاك، وكنت شخصيا كحكم أذهب من الدمام إلى المدينةالمنورة بالسيارة لإدارة مباراة وأعود بنفس اليوم إلى جدة لإدارة مباراة أخرى ولم نكن نتأفف على الرغم من أن المكافآت لم تكن تسر، لكننا كنا نبحث عن الوصول للحد الأعلى من الشغف الكروي وليس البحث عن المال. *كم كانت مكافآت الحكم في فترة عملك وبنهايتها؟ * كانت 15 ريالاً فقط للحكم المساعد و25 ريالاً لحكم الساحة في المباريات داخل المنطقة فيما يضاف فقط تذكرة الطيران والسكن للمكافآة إذا كانت المباراة خارج المنطقة التابع لها الحكم وتركت التحكيم وكانت مكافآتي كحكم ساحة 450 ريالاً فقط في حين أن المباريات الخارجية تحسب 100 دولار في اليوم الواحد وليس الحساب على المباراة مثل ماكان معمول به داخليا، وتعتبر مكافآة ال15 ريالاً في ذلك الوقت جيدة خصوصا وأننا لم نفكر بالمادة بل بالهواية والتحكيم والرياضة والشهرة. *كم عدد المباريات التي شاركت بها كحكم ساحة أو مساعد؟ -ربما تصل إلى أكثر من 600 مباراة منها أربع بطولات قارية اثنتان في إيران وواحدة في بنغلاديش وبطولة على مستوى المنتخب الأول في العراق. *من المنافس لك في تلك الفترة محليا؟ -هناك منافسة شريفة جدا بيني وبين الكثير من الحكام في فترات متفاوتة ومنهم غازي كيال وعبدالرحمن الموزان وصالح علام وبعد ذلك تنافست مع فهد الدهمش ومثيب الجعيد ولم تكن في تلك الفترات حوافز أو جوائز عينية أو مالية مثل أفضل حكم في الموسم ولكن كنا نملك الطموح الكبير. *مالفرق في التعاطي الإعلامي في فترة عملك كحكم والفترة الراهنة؟ * الفارق كبير ولا يمكن لنا أن نضع السواد الأعظم بأنهم أداة هدم للتحكيم في الوقت الراهن فهناك آراء تقبل وهناك آراء مقززة وغير مقبولة وهي معول هدم لهمة وطموح الحكام للأسف الشديد، وفي فترة عملي كحكم كنا سعداء جدا بأن الإعلام كان يبني معنا المجد التحكيمي، إذ نجد هناك كوكبة من الإعلاميين أمثال تركي السديري -رحمه الله- وعثمان العمير وأحمد العلولا وفهد المالك وعبدالرحمن السماري وفايز حسين وعلي الرابغي وهاشم عبده هاشم وسليمان العيسى -رحمه الله-، إذ كان ذلك الجيل الإعلامي الرياضي يعمل بدور الموجّه لنا وليس فقط الانتقاد غير الواقعي فهم يبحثون عن البناء وليس الهدم، وكانت تلك الفترة إبان وجود الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- رئيسا للاتحاد السعودي لكرة القدم إذ كان لا يقبل النقد الجارح وكان يثني على المحسن ويوجه المخطئ. *ما الموقف الذي لا تنساه مع الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله-؟ * في مباراة الاتحاد والهلال بجدة كنت مراقبا فنيا للقاء الذي يقوده الحكم عمر المهنا والذي أشهر البطاقة الحمراء في وجه لاعب الهلال يوسف الثنيان وكنت بجانب مدير مكتب رعاية الشباب بجدة سعيد جمعان الغامدي واتصل عليه الأمير فيصل يستفسر عن حالة الطرد من الغامدي الذي حولني على الأمير فيصل وشرحت له صحة قرار المهنا وشدد في تلك المكالمة على وجوب رصد الحالة في كامل تفاصيلها في التقرير الذي سأرفعه للجنة الرئيسة وهذا يدل على متابعة وإشراف واهتمام المسؤول الأول في تلك الفترة، ويشهد الله أن له وقفات مع الحكام في تقديم المساعدات لهم، إذ كان رئيس اللجنة عبدالرحمن الدهام يرفع له كل الأمور الطارئة للحكام وكان يتجاوب ويقدم من جيبه الخاص للحكام في تأكيد على رغبته في اعتلاء التحكيم المحلي وشقيقه الأمير سلطان بن فهد عندما تقلد منصب رئيس الاتحاد السعودي اتبع السياسة ذاتها بل كان باب منزله مفتوحا لنا قبل مكتبه في أي أمر يحتاجه التحكيم. *ترأست لجنة الحكام الرئيسة من العام 1419ه من كان ذراعك الأيمن؟ -كان عملنا جماعيا إذ يوجد معي محمد فودة وحمد الحميميدي وكانت تلك الفترة مميزة للحكام السعوديين خارج المملكة، إذ كنا ندير أكثر مباريات الدوري اللبناني بالإضافة إلى إدارة أقوى المباريات في سورية والكويت والبحرين وقطر ومصر والأردن وهناك حكام مميزون أمثال خليل جلال وعلي الطريفي وعبدالعزيز السلمان ومحمد المقيطيب وصالح الشمراني وفهد الملحم وكان لدينا حكام لم يحصلوا على الشارة الدولية نكلفهم في مباريات الدوري الممتاز بسبب تميزهم ومنهم عبدالرحمن العمري الذي كان له ميزة في إدارة المباريات التنافسية، في حين أننا كنا نطبق سياسة "التفصيل" عندما نختار الحكام في المباريات، نظرًا لظروف وطقوس كل مباراة واختلافها عن الأخرى وكل حكم يتميز عن الآخر بأمور ندركها كمسؤولين مما سهل من مهمتنا وليس كما هو حاصل الآن نشاهد حكام دوليين غير قادرين على إدارة مباريات متوسطة. *هل توقعت وجود الحكم خليل جلال في نسختين من مونديال كأس العالم خصوصا وأنه كان من حكام المنطقة الشرقية؟ -جلال من تلاميذي منذ كان يحمل الدرجة الثانية وبعدها الأولى وترأسته فترة طويلة وأشرفت على اختبار "كوبر" له في المجمعة وهو طموح ومميز ومهتم بنفسه وهو معلم تربية رياضية ومتفهم لأمور التحكيم داخل وخارج الملعب ويحفظ القانون ولياقته مميزة وكنت أحاول على التقليل من اندفاعه والتسرع في قراراته في المباريات، ولكن لم أتوقع ان يتواجد مرتين في المونديال العالمي. *من الحكم الذي حصل على أطول مدة إيقاف في عهد رئاستك للجنة الرئيسة؟ -لم نصدر أي قرار إيقاف رسمي في تلك الفترة لقناعتي أن الإيقاف سيكتب نهاية أي حكم مهما كان مستواه، وكنت أحاول تنبيه الحكم المخطئ أكثر من مرة قبل تجميده لأسبوع أو أسبوعين حتى يعرف ضرورة تصحيح الأخطاء، وشخصيا أتذكر حادثة إيقاف حكم الساحة فهد الدهمش والذي كنت معه كحكم مساعد في مباراة الهلال والاتحاد، إذ كانت هناك مطاردة من قبل لاعب الهلال البرازيلي الشهير ريفلينو للاعب الاتحاد سعد بريك ولم يشهر الدهمش البطاقة الحمراء لأي منهما وبعدها تم إيقاف الدهمش ثلاثة أشهر وعاد بعد الإيقاف لبضعه أشهر واعتزل التحكيم فالحكم هو أب ومعلم ومسؤول يجب أن لا يعلن إيقافه لأن هذا يؤثر على شخصيته ولن يقدم مستقبلا أي مردود إيجابي بعد التشهير به. *من أفضل حكم ساحة خلال العشرة أعوام الماضية؟ -هناك حكام مميزون إلا أنني أرى أن خليل جلال وعبدالرحمن العمري الأفضل. *هل اختلفت الرياضة عن السابق؟ * بلا شك هذا واضح وعزوف الجماهير عن الحضور رغم اختلاف البيئة للأفضل من امكانات وخدمات دليلً على ذلك، وشخصيا أرى أن للإعلام الرياضي دورا في ذلك، والرياضة بوجه عام لايمكن مقارنتها في فترة عملنا سوى كرة اليد التي نجدها تتميز سواء أندية أو منتخبات وطنية. *هل مازلت تتواصل مع الرياضيين، وما برنامجك اليومي؟ * أنا على تواصل مستمر مع عبدالرحمن الدهام ويوسف الغامدي ودليم القحطاني وعبدالعزيز العيدان ومحمد الحركان وخالد سمان وبادي هزاع العتيبي وجاسم الياقوت وجمال العلي والرئيس الذهبي للاتفاق عبدالعزيز الدوسري وغيرهم من الرياضيين، وبالنسبة لبرنامجي اليومي أقضيه بالزيارات الصباحية للأصدقاء والمتقاعدين وبعدها أذهب للمنزل أقرأ بعض الكتب التاريخية عن الدولة السعودية الأولى والثانية للعديد من المؤلفين أمثال محمد بن بشر وبن غنام وحمد الجاسر وعبدالله بن خميس وبعدها أتناول الغداء مع أبنائي وأحفادي وفي فترة العصر أذهب للديوانيات عند أصدقائنا مثل عوائل العبدالواحد والعيسى وعثمان الأحمد والحقيل. *هل تم تكريمك في مباراة اعتزال كما كان معمولاً به وإذا سنحت الفرصة هل ستوافق على التكريم؟ -تحكيميا لم يتم تكريمي بل كرمت كموظف في رعاية الشباب بحضور الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله-، وشخصيا لا أمانع أن يتم إقامة مباراة اعتزال لي إذا تكرم المسؤولون علينا بهذه اللفتة فنحن نرحب بمثل هذه المبادرات فشخصيا يتم كل يوم تكريمي من الشارع الرياضي عندما أواجه الناس في الأسواق والأماكن العامة وهذا يسعدنا جدا. *كلمة أخيرة لك؟ -شكرا لجريدة "الرياض" التي لها باع طويل في خدمة الرياضة بشكل عام وأدعو الله أن يعيد التحكيم السعودي إلى التميز الغائب. المرزوق يتلقى تكريم خادم الحرمين الملك فهد -رحمه الله- محمد المرزوق المرزوق في إحدى المناسبات الرياضية خليل جلال عمر المهنا Your browser does not support the video tag.