علاقات المملكة وكندا، ذلك البلد الذي تسكن آخر الأرض، كانت علاقات محترمة راقية متبادلة، وشبه متكاملة دبلوماسياً، وتجارياً، وثقافياً، وكان المبتعثون السعوديون في التخصصات الطبية الدقيقة يملؤون مستشفيات كندا، رغم برودتها الشديدة، وكانوا يمثلون شعبنا الراقي، ويعودون من هناك حاملين معهم صوراً من الاحترام والسلام والتبادل الثقافي العاقل المميز. علاقات ثنائية حضارية لم يكن الوعي ينتظر أن تقوم خلالها كندا بما يستوجب أن نقول: حتى أنت يا كندا؟ ففي يوم الأحد الخامس من أغسطس 2018م، تفاجأ العالم بما أثارته الحكومة الكندية من عنجهية، وكذلك الرد السريع الشجاع الصارم من الحكومة السعودية. المملكة هي آخر من يطرق أبواب الشر، وهي من تمتلك دبلوماسية المنطق والتبصر وطول البال، ولكنها اليوم بدت غاضبة من شيء عظيم، لا يمكن السكوت عليه. والحكاية أن كندا قد أعلنت بصراحة غريبة، لم تعرف عنها من قبل، وبوقاحة غير مسبوقة، عن اعتراضها على ما أسمته «نشطاء المجتمع المدني السعودي»، وهم من قامت الحكومة السعودية بالقبض عليهم من أبنائها، بأسباب تعود إلى تورطهم في قضايا تنظيمات إرهابية، أو بالتخابر مع السفارات الأجنبية، ومحاولة اختراق المجتمع السعودي، ونشر الرذيلة، أو المطالبة بهتك ما ينص عليه دستور الوطن. أمر عجيب، فهل كانت كندا بذلك تعتقد أنها تمتلك الأمر الأعلى، وأن على المملكة التخلي عن سيادتها، وتنفيذ أوامرها!. وعلى الفور أصدرت الخارجية السعودية بياناً رسمياً شديد اللهجة استغربت فيه ما صدر عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في المملكة من حث سافر للإفراج عن الموقوفين فوراً! وأكدت أن هذا الموقف السلبي والمستغرب من كندا يُعد ادعاءً غير صحيح جملة وتفصيلاً ومجافياً للحقيقة، وأنه لم يبن على أي معلومات أو وقائع صحيحة وأن إيقاف المذكورين تم من قبل النيابة العامة لاتهامهم بارتكاب جرائم توجب الإيقاف وفقاً للإجراءات النظامية المتبعة، التي كفلت لهم حقوقهم المعتبرة شرعاً ونظاماً ووفرت لهم جميع الضمانات خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة. وأضافت الخارجية أن تدخل كندا يعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية السعودية ومخالفاً لأبسط الأعراف الدولية والمواثيق، وأنه يعد تجاوزاً على أنظمة المملكة وإجراءاتها المتبعة وتجاوزاً على السلطة القضائية في المملكة وإخلالاً بمبدأ السيادة، فالمملكة عبر تاريخها الطويل لم ولن تقبل التدخل في شؤونها الداخلية أو فرض إملاءات عليها من أي دولة كانت، وعليه فإنها تعتبر الموقف الكندي هجوماً عليها يستوجب اتخاذ موقف حازم رادع لكل من يحاول المساس بسيادتها. وقد أضاف البيان أنه من المؤسف جداً أن يرد في البيان عبارة (الإفراج فوراً) وهو أمر مستهجن وغير مقبول في العلاقات الدولية، وأن المملكة ترفض ذلك مطلقاً، وتؤكد أن أي محاولة أخرى في هذا الجانب من كندا تعني أنه مسموح للمملكة بالتدخل في الشؤون الداخلية الكندية. واختتم البيان بقرار استدعاء سفير خادم الحرمين الشريفين في كندا للتشاور، واعتبار السفير الكندي في المملكة شخصاً غير مرغوب ليغادر خلال 24 ساعة، مع تجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين المملكة وكندا، والاحتفاظ بحق اتخاذ أي إجراءات أخرى مترتبة. ما حدث اليوم أمر رغم غرابته، يعد مقلقاً ويستلزم التفكير العميق، فالجانب الكندي، يجب أن يفهم أن المملكة قادرة على تحديد ما يكون وما لا يكون فوق سيادة أرضها، كما يجب على كندا تدارك الخطأ والاعتذار الفوري، لهذا التدخل السافر منها، وعدم الانجراف خلف أوهام أن المملكة ستقلب تصرفاتها بعكس ثقتها في استقلالية حكومتها وقوة دستورها وقضائها العادل، وشعبها الملتف حولها، والذي لا يرتضي الدخيل، ولا من يسيء تقدير قيمتنا. كندا لم تكن هكذا في السابق، ومما يخشى منه أنه قد غرر بها من جهات دولية أو حقوقية مغرضة، أو أنها تسعى لخلق ضغوط تمكنها من نيل أطماع تعتقد أنه من السهل الحصول عليها، أو أنها تسعى لمصلحة أعداء وطننا، بوعود بينهم ترتسم، فتحاول إرضاءهم على حساب كرامتنا. Your browser does not support the video tag.