التهديد الإيراني الذي نقله قاسم سليماني للقيادة الأميركية يكشف فجوة لا يمكن تجاوزها في طبيعة النظام الإيراني الذي يواجه منعطفاً مهماً تغيرت معه حسابات إيران في المنطقة وفي الداخل الإيراني أيضاً وهو التهديد الأكبر لإيران.. قد يبدو من المستحيل أن يوجد إنسان لديه ولو نسبة ضئيلة من العقل ليأخذ حديث قاسم سليماني ضد أميركا وفق معادلة توازن القوى بين أميركا وإيران، عندما استمعت إلى الخطاب الذي ألقاه قاسم سليماني مهدداً به الرئيس الأميركي أدركت أن اللغة الإيرانية أدركت أن الرعاية المباشرة وغير المباشرة التي حصلت عليها إيران خلال العشرين سنة الماضية من قوى دولية وإقليمية قد أوشكت على الانتهاء. في المنطق التاريخي يستحيل أن يتقبل العالم جدية تهديد دولة لم تدخل حرباً مباشرة بجيشها منذ الحرب العراقية - الإيرانية، فقاسم سليماني حديث عهد في تولي مناصب قيادية بالمنظومة العسكرية في إيران، حيث دخل سليماني منظومة الحرس الثوري مع بداية الثورة الإيرانية، ولكنه انتظر حتى العام 1997م ليصل هناك إلى قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ولعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت منعطفاً مهماً لولادة نموذج سياسي إيراني يعتمد الذهاب إلى أرض المعركة ليس بقوات إيرانية بل بمقاتلين من تلك البلدان، واعتماداً على محفزات أيديولوجية عميقة في النفس الشعبي التاريخي لدى الطائفة الشيعية تحديداً. تجربة سليماني في أفغانستان كانت كفيلة بثقة القيادات الإيرانية، حيث جنب سليماني أكثر من مئتي ألف جندي إيراني كانوا يستعدون للدخول إلى أفغانستان بعد اعتماده فلسفة توظيف التاريخ الأيديولوجي والتمويل العسكري لقلب موازين المعارك، سليماني اعتمد في بناء صورته الإعلامية على حياكة أساطير لبطولاته، وهذه طبيعة تاريخية معتادة في قيادات اعتمدت ذات الأساطير في الشرق الأوسط، ووجدناها في كثير من القيادات التي انتهت إلى وضعها الطبيعي حيث مواجهة الواقع ثم النهايات المؤلمة، ولن يذهب سليماني بعيداً عن مثل هذه النهايات. سؤال مهم يقول: ما الذي جعل قاسم سليماني يتنازل عن أسطوريته في إدارة معارك إيران التي اعتاد أن ينقلها إلى مواقع عديدة في الشرق الأوسط، ليذهب مباشرة في تهديد رئيس أكبر دولة في العالم؟ هذا التهديد الإيراني الذي نقله قاسم سليماني للقيادة الأميركية يكشف فجوة لا يمكن تجاوزها في طبيعة النظام الإيراني الذي يواجه منعطفاً مهماً تغيرت معه حسابات إيران في المنطقة وفي الداخل الإيراني أيضاً وهو التهديد الأكبر لإيران. إيران لم تكن تتوقع أن تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصتها الاستراتيجية في المنطقة، حيث تم توظيفها من قبل الغرب تحديداً في محاولة فهم التركيبة الأيديولوجية في المنطقة، وقامت إيران بتجربة فلسفة وخطط سليماني التي لا تلجأ إلى توريط الجيش الإيراني في أي مواجهات عسكرية، حيث عمل سليماني كقائد عسكري يعمل في أرض المعارك لصالح إيران، ولكن ليس بجيش إيراني بل من خلال توظيف مقاتلين محليين كما يحدث في العراق أو مستوردين كما يحدث في سورية. نعود إلى خطاب سليماني وتهديده أميركا أقوى دولة في العالم، وكيف يعد أميركا بحرب ليس لها مثيل على طريقته القائمة على «ملشنة العناصر»، أي وضعهم في ميليشيات كما فعلت إيران في العراق ولبنان واليمن وسورية، سليماني كما يبدو يفهم مصلحة إيران، ولكنه في الغالب يتغاضى عن الطريقة التي ترتبط بها هذه المصلحة مع مصالح دولة كبرى مثل أميركا، فقد دُفع سليماني من قبل خامنئي ليتجاوز البروتوكول العسكري والسياسي ويتحدث مهدداً أميركا في محاولة لسحب المعركة وعدم تركيزها على الداخل الإيراني. ظهور سليماني وهو قائد فيلق القدس فقط يعبر عن رغبة إيرانية ومحاولة مستميتة لتخفيف الضغط الحاصل على قلب إيران، هذا التهديد ليس وعياً ناقصاً في إيران حول موازين القوى بينها وأميركا، ولكنه محاولة لإبعاد المعركة عن قلب إيران، فسليماني يدرك أن تجربة أميركا في أفغانستانوالعراق يمكن استثمارها، ومحاولة سليماني نقل المعركة إلى البحر الأحمر هي محاولة دقيقة لجعل اليمن المسرح الأبعد عن إيران هو خط المواجهة حيث البحر والجبال. إيران بهذا التهديد تعطي سليماني فرصة - إذا ما كان قادراً - من أجل استهداف أميركا بعيداً عن الداخل الإيراني الذي تركز عليه أميركا بقوة، ويشاركها أيضاً في ذلك حلفاؤها الاستراتيجيون. تهديد سليماني ليس جهلاً بالقوة الأميركية، ولكنه محاولة شرسة من أجل إنقاذ العمق والنظام الإيراني، وتخفيف الحصار على النظام عبر التظاهرات والضغط الاقتصادي، فالثقافة الإيرانية المنصهرة في القومية الإيرانية يمكنها أن تتحول للدعم الإيجابي في حال كان هناك هجوم على ميليشيا وقوى تتبناها إيران في الخارج، ولذلك فإن اليمن النقطة الأبعد عن إيران، وباب المندب المضيق الأكثر أهمية للعالم، كانا مخرجين مهمين دفعا بسليماني لإطلاق تهديداته المباشرة لأميركا بهذه الطريقة المثيرة للجدل، وقد يفسر ذلك الاستجابة السريعة في تصريحات وزير الدفاع الأميركي الذي قال: إن أميركا لا تستهدف النظام في إيران. Your browser does not support the video tag.