قبل أيام كنت في قراءةٍ لسيرة المناضل الأميركي مالكوم إكس، وكيف استطاع أن يصنع قصة نجاحه ويحقق رسالته، فاستوقفتني عبارة يقول فيها: «وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض»، والمتأمل في هذه الكلمات يدرك يقيناً أن الإعلام يمتلك قوةً جعلت منه سلطةً لها نفوذ، قوةً تضاهي القدرة العسكرية والتي مكنتها من صناعة حرب موازية لها، قوةً تخترق العقول والقلوب وتتجاوز الحدود.. إنها قوة الكلمة. هذه القوة جعلت منه ذراعاً مهماً ومكبر صوت للدول والمجتمعات والمؤسسات لإيصال رسالتها ودعم أهدافها وتوجهاتها. وفي ظل الانفتاح الواسع النطاق الذي نشهده في عصر العولمة، تحول كل فرد من المجتمع إلى إعلامي يمارس النقل والنقد للمعلومة والفكرة والحدث خاصةً رواد مواقع التواصل الاجتماعية. ذلك بلا شك يشد من وطأة المسؤولية على كاهل وسائل الإعلام لدينا لترسيخ الثوابت أمام المتغيرات، وتأصيل القيم والمحافظة على مكتسبات المملكة وموروثها الثقافي والحضاري. ليس ذلك فحسب، بل إنه أصبح محركاً رئيساً في عملية التغيير التي نعيشها حالياً عبر كشافه الذي يسلط الضوء على مواطن تحسين أداء القطاعات وتطوير الأنظمة واللوائح وتصحيح الممارسات والمفاهيم ومعالجة قضايا المجتمع. وبالطبع فإن هذا الدور المحوري الذي ترافقه حمى التحديات يتطلب كفاءةً وجودةً إعلاميةً عالية، لذا فإن استقلالية وزارة الإعلام وفق الأمر الملكي الكريم أتى ليترجم جميع تلك الطموحات، ورفع معه سقف التوقعات للوصول إلى إعلام مهني يكون طرفاً في جسد التنمية ويحقق ثقة المجتمع. والحديث عن المهنية يقودنا لحتمية استحداث معايير ومواصفات وطنية تصمم خصيصاً لجودة عمل المؤسسات الإعلامية، حيث يمكن بناؤها بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة كالهيئة السعودية للمواصفات، وكذلك الجمعية السعودية للجودة؛ لتغرس بذلك بذرة الريادة لإنشاء مواصفات دولية في هذا الحقل. ولابد أن تغطي تلك المعايير المكونات الإدارية والفنية لعمل ونطاق المؤسسات الإعلامية كالقيادة مثلاً وتنمية المواهب البشرية والمصادر والتحسين والبحث والتحول الرقمي وميثاق أخلاق المهنة وأدلة الحقوق والواجبات وإدارة المعرفة وغيرها. ونظراً لما نلحظه في الساحة على مستوى العالم، حيث أصبح السبق على السبق الإعلامي سباقاً، وأغرقت المجتمعات بالأخبار والأحداث الهامشية التي لا السمع يلقي لها بالاً ولا البصر ولا الفؤاد، لذا بات لزاماً أن تكون جودة المحتوى الإعلامي على رأس هرم أولويات تلك المعايير. وعلى ضفاف أخر تكمن أيضاً أهمية استحداث مواصفات ومعايير لجودة عمل الممارس الإعلامي، والتي ترتكز على الجودة الشخصية والمهنية لديه، بالإضافة إلى رخصة مزاولة المهنة الإلزامية والمرتبطة بتلك المعايير لضمان أن جميع الإعلاميين المنتسبين لتلك المؤسسات هم من الكوادر الجيدة والمؤهلة. ختاماً أقول: إن الإعلام أصبح شريكاً في صناعة سلم المجد التنموي، لذا فلنعمل على جعل مؤسساتنا الإعلامية منصات تعلم تحاكي أفضل الممارسات العالمية في نشر الرسالة المجتمعية ودعم الأهداف الوطنية. Your browser does not support the video tag.