روسيا وشعبها أبهرونا.. واللغة العائق الأكبر لا يمكن لأي مهتم بالرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص أن يفوّت فرصة حضور كأس العالم، تلك التظاهرة التي تجذب أنظار العالم أجمع لمدة شهر كل أربعة أعوام، أما الإعلامي الرياضي فإن وجوده في هكذا محفل يعد إضافة كبيرة لسجله ومشواره في «أم المتاعب» كما يلقب الإعلام. وفي مونديال روسيا الذي نعيشه هذه الأيام أجواءه التي بدأت ترتفع فيها الإثارة بعد وصولنا للأدوار النهائية، في هذا المونديال حظي الإعلام السعودي بدعم كبير من قبل الهيئة العامة للرياضة ممثلة في رئيس مجلس الإدارة معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي وجه الدعوات لأعداد كبيرة من الإعلاميين الرياضيين، من أجل حضور المونديال والوجود فيه برفقة منتخبنا، وكنت محظوظاً ببمشاركتي ضمن الإعلاميين المدعويين، خصوصاً أنه المونديال الأول في مشواري الإعلامي. في المساحة المقبلة، التي أطلقت عليها «أوراق من روسيا»، سأتحدث عن رحلتي إلى المونديال، بدءاً من مطار الملك خالد الدولي بالرياض، مروراً بأيام موسكو الجميلة، وانتهاءً برحلة العودة إلى الوطن. خليط بين الماضي والحاضر من الأمور اللافتة للنظر، أن الأجواء في شوارع موسكو لم تكن توحي بأن هنالك مونديال يقام على أراضيها، فالمظاهر المونديالية كانت محصورة في عدد من الأماكن المخصصة لذلك، أما بقية الأحياء والشوارع فكانت هادئة، حتى أنها خلت من شاشات التلفزيون، أو شعارات كأس العالم، موسكو لا يمكن وصفها بالمدينة المتطورة، ولا بغير المتطورة أيضاً، فهي تجمع بين الاثنين، هنالك أماكن كثيرة تشعرك بأنك تعيش في القرن الماضي، وأن التطور لم يمر منها، في المقابل التطور موجود في مناطق عدة، أي أن العاصمة الروسية خليط بين الماضي والحاضر، لكنها في كل أحوالها مدينة جميلة وآمنة، شعبها مسالم وودود. شعب ودود الشعب الروسي «ودود»، سحرنا للأمانة بطيبته وحسن خلقه وابتسامته وحرصه على خدمة الصغير قبل الكبير، فالصورة التي كانت مرسومة في أذهاننا عن روسيا وشعبها اكتشفنا بأنها غير صحيحة أبداً، ونجح المواطن الروسي في التسويق لبلده بأخلاقه، فأنا اليوم أنقل للقراء تجربتي الجيدة معهم، وغيري سيفعل ذلك في جميع المجالس، والرابح الأكبر بدون شك روسيا، التي سوّقت لاسمها في المونديال، وستجني ثمار ذلك في المستقبل، وإن كان من عيب بارز فهو اللغة الروسية التي تهيمن على اللوحات الإرشادية، وأسماء المحلات التجارية، ولغة شعبها الذي نادراً ما تجد منهم من يتكلم اللغة الإنجليزية، وكان هذا عائقاً بيننا وبينهم في التواصل، وإن كانت التقنية من خلال تطبيقات الجوال حلّت عائق اللغة في مواقف عدة. حديث العالم كان المشجع السعودي خير سفير لوطنه في موسكو، إذ استطاع أن يوصل رسالة للعالم أجمع بأن المواطن السعودي محترم، وخلوق، ومهذب، يعرف ماله وماعليه جيداً، ونجح في أن يعكس صورة حسنة عن الإسلام والمسلمين في المقام الأول، وعن أبناء المملكة ثانياً، وبدا ذلك واضحاً من ردود أفعال جماهير بقية المنتخبات، وملامح وجوههم عند معرفتهم بأننا من السعودية، ورغم بعض الاستفزازات التي تعرض لها السعوديون، إلا أنهم تعاملوا مع تلك المواقف بحكمة تعلموها من مسؤولي هذا الوطن الغالي، لم يستسلموا لبعض الاستفزازات، بل إنهم كانوا يتعاملون مع المستفزين بطريقة تجبرهم على الاعتذار والانسحاب، وبمناسبة الحديث عن المشجعين السعوديين، لا يمكن تجاهل تلك الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية للمشجعين السعوديين الذين نظفوا مدرجات ملعب المباراة عقب نهايتها، وأخذت صدى واسعاً، حتى أن إمام وخطيب جامع موسكو تطرق لها في خطبة الجمعة، مشيداً بالسعوديين وبالرسالة التي أوصلوها للعالم أجمع عن الإسلام وبلاد الحرمين الشريفين. الرياضة تقرب برهنت الرياضة بأن لها دوراً فعالاً في التقريب بين الشعوب والأمم والثقافات، وترسيخ قيم التفاعل الإيجابي مع الآخرين، فعلى الرغم من اختلاف الثقافات والقارات والعقائد والأعراق، إلا أن الرياضة جمعتهم، وكان هنالك تناغم عجيب بين الشعوب بما فيها تلك التي كانت ومازالت بين دولها خلافات، وهذا من الأهداف الجميلة من مثل هذه التجمعات، وبجولة بسيطة في ساحة المشجعين بالقرب من قصر الكرملين، تجد مشاهد تجبرك على الابتسامة في تفاعل مشجعي كافة المنتخبات مع بعضهم، والتحديات بينهم، وبعض العبارات التي يطلقونها كنوع من التحدي، والجميل أن تلك المشاهد تنتهي بروح رياضية، دون أي مشاكل أو خلافات، باستثناء حالات فردية لا تذكر، وأتذكر بأنه كانت لنا تجربة مع عدد من الزملاء الإعلاميين بارتداء فانيلة المنتخب البرازيلي، وعشنا تجربة مختلفة، لم تخل من المواقف الطريفة، التقط الكثيرون معنا الصور التذكارية وسمعنا منهم عبارات تشجيع البرازيل، ظناً منهم بأننا برازيليون. رحلة ال 24 ساعة لم تكن رحلة موسكو المتجهة إلى مدينة روستوف حيث لعب «الأخضر» ثاني مبارياته سهلة، إذ كانت رحلة شاقة، لأنها بدأت منذ ساعات الصباح الأولى، من خلال الانتقال من الفندق إلى المطار بالباص، ثم انتظار رحلة الطيران (ساعتين)، بعدها التنقل بين المطار وملعب المباراة (روستوف أرينا)، ومن ثم حضور اللقاء ومؤازرة الأخضر، وعقب المواجهة تكرر نفس خط السير، لتعود البعثة صباح اليوم التالي، وأكملت بذلك قرابة 24 ساعة من التنقل بين موسكو ورستوف، لكن تعب الرحلة لم نشعر به بعد المستوى المشرف الذي ظهر به منتخبنا، وفي المجمل فإن السمة الأبرز في روستوف بحسب ما رأينا خلال الساعات التي قضيناها أنها مدينة صغيرة أشبه بالقرية، أجوائها شديدة الحرارة، وهذا الحكم والانطباع ليس نهائياً إنما من خلال الساعات القليلة، أي أنه قابل للصواب والخطأ. انتشار الإسلام في روسيا من المشاهد التي أثلجت صدورنا في موسكو، هو جامع موسكو الكبير، الذي يقع بالقرب من الاستاد الأولمبي، ويعتبر المسجد الأكبر في القارة العجوز أوروبا، كونه يتسع لأكثر من عشرة آلاف مصلٍ، وتشرفت مع عدد من الزملاء بأداء صلاة الجمعة فيه، وأكثر ما سرني هو أعداد المصلين الذين لم يجدوا لهم مكاناً داخل المسجد، وكنت واحداً منهم، إذ اضطررنا للصلاة في الساحة الخارجية للمسجد. مصير واحد تصنف العلاقات السعودية المصرية بالمميزة والأخوية، نظراً لمكانة البلدين على مر التاريخ، ومصير البلدين واحد، ولا يمكن تجاهل المواقف التاريخية للسعودية ومصر مع بعضهما، وانعكس ذلك على علاقة الشعبين السعودي والمصري، كل ما ذكرته سمعناه في وسائل الإعلام وقرأناه وشاهدناه أيضاً، وفي موسكو وبالتحديد خلال الأيام التي سبقت لقاء المنتخبين عشناه واقع، ودون مبالغة كانت جملة «لا خاسر بيننا» هي سيدة الموقف، ما أن تسأل مصرياً عن المواجهة العربية المرتقبة إلا ويبادر بالإجابة بأنه لا يوجد خاسر، وفوز السعودية فوز لمصر والعكس صحيح، والحال ذاته بالنسبة للسعوديين الذين كانوا يوجدون بين المصريين بالعلم السعودي خلال ترديدهم الأهازيج والأغاني المصرية الداعمة لمنتخبهم، واستمر الحال كذلك بعد المباراة، إذ بادروا بتقديم التهنئة للسعوديين بكل روح رياضية، وكعادة الشعب المصري لم تخل كلماتهم من روح الدعابة. عطل فني شاءت الأقدار أن تتعرض الطائرة التي كانت تستعد لنقل الإعلاميين واللاعبين القدامى من موسكو إلى فولغوغراد لحضور مواجهة منتخب مصر، تتعرض لعطل فني تسبب في تأخر إقلاع الرحلة، وهو ماجعل المسؤولين يفضلون إلغاءها بسبب ضيق الوقت بين موعد الإقلاع والوصول وبداية اللقاء، ليتحول «لوبي» الفندق إلى نقطة تجمع للسعوديين، إذ شاهدوا المواجهة عبر شاشات مخصصة، وتفاعلوا مع أحداثها، حتى أن الكثير من الروسيين والمكسيكيين وغيرهم تعاطفوا معنا وشجعوا «الأخضر». KSA SPORTS تسرق الأضواء سجلت القناة الرياضية السعودية (KSA SPORTS) حضوراً مميزاً خلال المونديال، من خلال برنامجين مباشرين من استوديو القناة في ساحة الكرملين، واقتنصت القناة موقعاً لافتاً، وعلى الرغم من أن ذات الموقع فيه استوديوهات قنوات عالمية كبيرة مثل (CNN) وقناة (BBC)، إلا أن إطلالة القناة الرياضية كانت هي الأميز، وبذل القائمون على قناة الوطن مجهودات كبيرة من أجل وضع المشاهدين في قلب الحدث، ولا يمكن تجاهل الدور الكبير لوكيل رئيس هيئة الرياضة لشؤون الإعلام الدكتور رجاء الله السلمي والمشرف العام على القناة تركي العجمة ومديرها غانم القحطاني، في إنجاح تغطية القناة، بالإضافة إلى الزملاء المذيعين والمراسلين والعاملين خلف الكواليس، ومن حسن الحظ أنني سجلت حضوراً من خلال الظهور في القناة مرتين، أولهما في أول أيام العيد عبر برنامج المونديال مع الزميل بندر الشهري، والثانية في الحلقة الأخيرة من ذات البرنامج، وتسجيل الحضور في هكذا مناسبة ومكان اعتبره إضافة كبيرة لمشواري الإعلامي. آل الشيخ يشارك السعوديين الأفراح بعد نهاية مباراة مصر، شارك معالي المستشار تركي آل الشيخ السعوديين فرحتهم بالفوز، بنزوله إلى الساحة الحمراء التي اشتعلت بالأهازيج السعودية، والأغاني الوطنية، احتفالاً بالانتصار الذي يعد الأول منذ الفوز على بلجيكا 94م، وهو الذي جعل مشاركتنا في روسيا ثاني أفضل مشاركة في تاريخ المونديال بعد تأهلنا إلى دور ال16 في أميركا. موسكو تودعنا بالأمطار الليلة الأخيرة لنا في موسكو قضيناها تحت زخات المطر، وكانت فيها المشاعر مختلطة، فرحاً بالعودة للوطن الغالي والأهل، وحزناً على مغادرة موسكو وأجواء المونديال الجميلة، وفراق إخوة قضينا معهم اياماً مليئة بالحب، فالتقارب الذي كان عليه الإعلاميين واللاعبين القدامى والمسؤولين وأعداد من الجماهير برأيي إنه أحد أجمل الأهداف التي تحققت، والفضل بعد الله يعود لهيئة الرياضة التي جمعتنا، وآمل أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على وسطنا الرياضي والأجواء فيه. جانب من موسكو الجماهير السعودية كانت حديث وسائل الاعلام العالمية ونالت إشادات واسعة الزملاء عماد الصائغ وعبدالوهاب الوهيب و تركي الغامدي استوديو القناة الرياضية تركي الغامدي Your browser does not support the video tag.