لا يمكن لأي مهتم بالرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص أن يفوّت فرصة التواجد في كأس العالم، تلك التظاهرة التي تجذب انظار العالم أجمع لمدة شهر كل أربعة أعوام، أما الإعلامي الرياضي فإن تواجده في هكذا محفل يعتبر إضافة كبيرة لسجله ومشواره في «أم المتاعب» كما يلقب الإعلام. وفي مونديال روسيا الذي نعيش هذه الأيام أجواءه التي بدأت ترتفع فيها الإثارة بعد وصولنا للأدوار النهائية، في هذا المونديال حظي الإعلام السعودي بدعم كبير من قبل الهيئة العامة للرياضة ممثلة في رئيس مجلس الادارة المستشار تركي آل الشيخ، الذي وجه الدعوات لأعداد كبيرة من الإعلاميين الرياضية، من أجل حضور المونديال والتواجد فيه برفقة منتخبنا، وكنت محظوظاً بتواجدي ضمن الاعلاميين المدعويين، خصوصاً وأنه المونديال الأول في مشواري الاعلامي. في المساحة المقبلة، التي أطلقت عليها «أوراق من روسيا»، سأتحدث عن رحلتي إلى المونديال، بدءاً من مطار الملك خالد الدولي بالرياض، مروراً بأيام موسكو الجميلة، وانتهاءً برحلة العودة إلى الوطن. موظفو الهيئة وعمل يثلج الصدر قبل الانتقال للحديث عن الطائرة الخاصة التي نقلت الإعلاميين واللاعبين القدامى إلى موسكو، لابد من تسليط الضوء على العمل الكبير الذي قامت به هيئة الرياضة من أجل ترتيب اوضاع البعثة السعودية من الألف للياء، والبداية إصدار «بطاقة مشجع» لكل فرد، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تمنحنا حق دخول روسيا، فهي بمثابة التأشيرة، بالإضافة الى حجوزات الطيران الدولي والسكن، وحجوزات الطيران الداخلي بين مدن روسيا، وغير ذلك من الترتيبات التي جعلت المنظمين يواصلون الليل بالنهار خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت المونديال. فوق هام السحب يوم الثلاثاء الذي صادف 12 من شهر يونيو اي قبل افتتاح المونديال بيومين تحوّل مطار الملك خالد إلى خلية نحل، اذ وفرت الخطوط السعودية عدداً من الرحلات من الرياض الى موسكو، بعضها رحلات مباشرة واخرى مروراً بجدة، ولعل الرحلة التي سأسلط عليها الضوء بشكل اكبر هي التي تواجدت على متنها، وكانت مخصصة للإعلاميين واللاعبين القدامى، وتواجد فيها ايضاً نائب رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، ومدير عام الخطوط السعودية عضو مجلس ادارة الاتحاد السعودي لكرة القدم المهندس صالح الجاسر، الأجواء في الطائرة كانت مختلفة، تقارب كبير بين الجميع بمختلف ميولهم، حتى من كانت بينهم خلافات اجتمعوا، ونسوا الماضي وفتحوا صفحة جديدة، الكل متشوق للوصول الى موسكو، ومتحمس لدعم ومؤازرة «صقورنا الخضر»، وزاد الحماس عندما اعلن كابتن الطائرة قرب وصول رحلة الست ساعات، وأعقب ذلك صوت الفنان طلال سلامة والفنانة أسيل وهم يرددون اغنية «الله الله يامنتخبنا»، التي تفاعل معها الجميع وتراقصوا على أنغامها. تعامل احترافي من الروسيين وصلنا إلى مطار فنوكوفو بموسكو عند التاسعة والنصف مساءً، اي بعد غروب الشمس بدقائق، ولأن المحفل عالمي والاجراءات الأمنية مشددة، فإن الجميع كان يتوقع بأن تجاوز نقطة الجوازات في المطار سيستغرق مدة طويلة، بيد أن الوضع كان مختلفاً، ولا ابالغ ان قلت بأن المدة بين الوقوف على الشباك امام موظف الجوازات والحصول على الأمتعة من السير لم تتجاوز خمس دقائق، اذ كانت الإجراءات ميسرة جداً، والوضع كان منظماً للغاية بصورة احترافية، وكان في استقبالنا بالمطار اعضاء من السفارة السعودية في موسكو، بالإضافة الى عدد من المنظمين الذين نقلونا الى الفنادق المخصصة لنا. الساحة الحمراء تكتظ بالسعوديين في اليوم التالي لوصولنا، اي قبل مباراة الافتتاح ب24 ساعة، امتلأت «الساحة الحمراء» الخاصة القريبة من قصر الكرملين بالسعوديين، من مسؤولين واعلاميين ولاعبين قدامى وجماهير، وكان الكل يهتف باسم «الأخضر»، ويحمل بكل فخر ما يرمز الى انه «سعودي»، في كل مكان داخل الساحة تجد تجمع سعودي، ولا صوت فوق صوت منتخبنا ومصلحته رغم اختلاف الميول، ولعل ابرز ماحدث في الساحة ذلك اليوم هو نزول المستشار تركي آل الشيخ للساحة، ولقاؤه بالجماهير التي التفت حوله، وحرصت على التقاط الصور التذكارية معه، وصادف ذلك اليوم اعلان فوز الولاياتالمتحدةالامريكية بتنظيم مونديال 2026، وهو ما جعل بعض الجماهير المغربية تطلق عبارات استهجان ضد الوزير السعودي وتحاول مضايقته، بيد أن السعوديين كانوا حوله كالدرع الحصين، إلى درجة انهم لم يرغبوا بأن يسمع اي كلمة او عبارة من تلك الجماهير، فهتفوا اسمه بصوت عال، ورددوا الأهازيج الوطنية، وانتصروا في النهاية بأسلوب راق وبحكمة دون الدخول في اي مهاترات، وتواجد في الساحة مشجعو منتخبات المونديال، بتقليعاتهم المختلفة. مترو الأنفاق شريان حياة موسكو لفت مترو الأنفاق في موسكو انظار زوار المدينة الجميلة، اذ يُعد شريان الحياة في العاصمة، كونه ينقل افواجاً من الناس منذ افتتاحه في ساعات الصباح الاولى، وتتميز صالات المحطات بألوان واشكال مختلفة، بعضها يشعرك بأنك في متحف، واخرى كأنك في معرض للفنون وثالثة تعبر عن الحضارات، وهكذا، ورغم انها تربط المدينة بأكملها الا ان استخدامها سهل للغاية متى ماعرف الزائر الطريقة، واصطحب معه الخريطة، ويعود عمر مترو الانفاق الذي استفدنا منه في تنقلاتنا الى ما بعد الحرب العالمية الثانية. إطلالة ولي العهد في لوجنيكي ترقب كبير يوم افتتاح المونديال، الحدث الذي انتظرناه منذ اعلان القرعة، سقف الطموحات عال، والمعنويات مرتفعة، والتفاؤل كان موجوداً بدرجة عالية، والجميل انه صادف ليلة عيد الفطر المبارك، كنا نترقب بأن تكون الفرحة مضاعفة، بالعيد وبنتيجة ايجابية، انعكس كل ذلك على حماسنا اثناء انتقالنا الى استاد لوجنيكي حيث يقام الافتتاح ومباراتنا مع روسيا، فالأهازيج كانت حاضرة، والتفاعل معها كان مميزاً، وفي ملعب المباراة كان الدخول سلساً، دون اي معوقات، رغم وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعدد كبير من زعماء الدول والرياضيين، اذ كان التنظيم احترافياً، اما أعين السعوديين فكانت موجهة نحو المنصة الرئيسية، تترقب حضور سمو ولي العهد وإطلالته. لمسة وفاء مع أبناء الشهداء إن كان وجود منتخبنا في لقاء الافتتاح يعتبر حدثاً تاريخياً، فإن هنالك قصة اخرى حضرت في هذا اليوم التاريخي، تحكي وفاء السعوديين، وهو دخول 11 طفلاً من ابناء شهداء الواجب مع اللاعبين قبل بداية المباراة، وهي اللفتة التي حظيت بتفاعل كبير، خصوصاً وأن المذيع الداخلي اعلن قبل بداية الافتتاح أسماءهم جميعاً، وتفاعل السعوديون مع كل اسم معلن، كما كتبت اسماء ال11 طفلاً في شاشات الملعب، وهي البادرة التي انعكست على معنوياتهم، حتى أن طفلة منهم سجدت لله شكراً امام الحارس عبدالله المعيوف تعبيراً منها عند سعادتها وفرحتها بما حدث. الإعلام السعودي حظي بدعم تاريخي من هيئة الرياضة من أجل حضور قوي في المونديال صدمة الخماسية.. وحزن ليلة العيد كانت الأمور تسير بصورة طبيعية في استاد لوجنيكي، حتى وشباك منتخبنا تتلقى الهدف الأول، ثم الثاني، فالثالث، لأنه إلى هنا تعتبر النتيجة طبيعية في عالم كرة القدم، لكن الحال انقلب رأساً على عقب بعد الهدفين المتتالين «الرابع والخامس»، صدمة وذهول ودموع، فأكثر المتشائمين لم يكن يتوقع هذا السيناريو المحبط، وإتذكر بأننا عشنا ليلة حزينة وكئيبة في موسكو، جعلتنا لا نشعر بطعم العيد وأفتقدنا فرحته، خصوصاً في ظل غياب مظاهر العيد هنالك، ولم يستيقظ السعوديون من صدمة خماسية روسيا الا في ثاني ايام عيد الفطر. اجتماع آل الشيخ يرفع المعنويات رجل الرياضة الأول معالي المستشار تركي آل الشيخ كان يعلم جيداً الحالة التي يمر بها السعوديون في موسكو عقب الخسارة الثقيلة امام روسيا، لذلك حرص على الاجتماع بهم، لسببين الاولى معايدتهم، والثاني من اجل مناقشة البداية المتعثرة، والاستماع لآرائهم، فكان الاجتماع شفافاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واستمع لكل الآراء وناقش أصحابها، وبحس المسؤول كان تعامله مختلفاً رغم تأثره معنوياً بالخسارة الكبيرة، اذ كان يمزح مع هذا ويداعب ذاك، وكانت المحصلة النهائية للاجتماع إيجابية جداً للطرفين، فالسعوديون من إعلاميين ولاعبين قدامى خرجوا من جو الإحباط الذي كان يحيط بهم من جميع الجهات خصوصاً بعد أن استمعوا للخطوات التي سينتهجها المسؤولون في المستقبل، ومعالي المستشار كذلك تأكد بأن خلفه رجال سيضعون أياديهم بيديه في كل الأحوال ومستعدون لدعمه والوقوف معه في مشروع تطوير كرة القدم السعودية. العلم السعودي يرفرف بالقرب من ساحة الكرملين الأجواء في طائرة البعثة تركي الغامدي مع الأمير عبدالعزيز في الطائرة الجماهير تحاصر تركي آل الشيخ في الساحة الحمراء لقاء أخوي جمع الإعلاميين السعوديين في موسكو Your browser does not support the video tag.