لم تكن قيادة المرأة في السعودية وليدة اليوم، فقبل أكثر من 60 عاماً، وتحديدا عام 1378ه الموافق 1958م، تناقل الناس قصة القاضي الشيخ علي الرومي– رحمه الله– الذي منح امرأة ترخيصا لقيادة السيارة، وسياق القصة: أن عقلاء في سوق المجمعة بمنطقة الرياض، عرضوا للقاضي حاجة كفيف يجلب إليهم منتجات مواشيه التي يقتات منها، حيث كان يتكبد المشاق لعدم وجود من يوصله إلى السوق، فذهبوا به وببناته للقاضي، فلما استمع إلى أقواله وعرف ظروفه وحاجته، أمر بأن تقود إحدى ابنتيه السيارة، وأجاز لها ذلك بمنحها رخصة قيادة. ولم يكتفِ الشيخ الرومي بترخيص القيادة للمرأة، بل شرح لأهل السوق بأنه لا يوجد نص شرعي يُحرم قيادة المرأة للسيارة. فعندما دعت الحاجة تم الترخيص للمرأة بقيادة السيارة على الرغم من إنكار المجتمع في حينه، وبالتاريخ أعلاه تكون قيادة المرأة للسيارة في المملكة ليست وليدة اليوم، والقرار السامي لقيادة المرأة الذي نحن بصدده اليوم ينسجم مع حاجة المجتمع لأن تمارس المرأة في بلادنا قيادة السيارة. حاجة المجتمع عندما أمر المقام السامي باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة، على الذكور والإناث على حد سواء، وتشكيل لجنة على مستوى عالٍ من وزارات «الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية»؛ لدراسة الترتيبات اللازمة، كان ذلك تلبية لحاجة المجتمع السعودي لهذا الأمر، فها نحن اليوم نحتفل بتنفيذ هذا القرار السامي الكريم، الذي يأتي مواكبة لرؤية المملكة 2030. وقد سارعت الجهات ذات العلاقة بتحمل مسؤولياتها نحو التنفيذ، بمشاركة مجتمعية من جهات حكومية وأهلية، لتنفيذ القرار السامي بتمكين المرأة من قيادة المركبة. وسبق أن صرح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، بأن الأمر السامي بتطبيق أحكام نظام المرور على الذكور والإناث قرار تاريخي، ويحسب لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظهما الله. وعقدت كثير من القطاعات ذات العلاقة الفعاليات التي تهدف إلى تعزيز مفاهيم الأمان والسلامة لقيادة المركبات، وكيفية استخدام قائدة المركبة للطرق، والتعريف بنظام المرور ولوائحه، والتأكيد على تعزيز دور الأسرة في رفع مستوى السلامة المرورية، وهو الدور الذي أشار إليه سمو وزير الداخلية بأن قيادة المرأة للسيارة ستحول سلامة المرور إلى ممارسة تربوية، تؤدي إلى الحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الحوادث. تفاعل «التعليم» ولم تكن وزارة التعليم بمنأى عن تنفيذ القرار، فقد تقدمت بمشروع (قيادة آمنة) نظمته بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور. ويهدف إلى تزويد 70 في المئة من شاغلات الوظائف التعليمية من المعلمات والمشرفات التربويات بالمعارف والمهارات اللازمة للسلامة المرورية، ويأتي ضمن أهدافه معرفة اللوائح والأنظمة والإرشادات الخاصة بأدبيات قيادة المركبة، واتباع إرشادات السلامة وقواعد القيادة الآمنة، ومعرفة الأحكام العامة والخاصة بالعلامات والإرشادات التحذيرية والتنظيمية والإرشادية، والتهيئة الاجتماعية والنفسية للقيادة الآمنة، إضافة إلى الوعي التام بالمسؤوليات والواجبات للمشاركة في مسيرة التنمية الوطنية، وتعزيز القيم الاجتماعية، وقواعد السلوك، والمواطنة الصالحة، والتمكن من مهارات التعامل مع الآخرين، وحل المشكلات، وإدارة المخاطر تحقيقا لقيادة آمنة، وممارسة دورها المجتمعي بتقدير عال للذات وثقة بالنفس ووعي تام. وقد أوضحت وكيل التعليم لتعليم البنات الدكتورة هيا العواد في تعليقها على المشروع، أنه يأتي كانطلاقة إيجابية نحو تنفيذ قرار المملكة بالسماح للمرأة بالقيادة وفق أطر وضوابط واضحة، كما يأتي ضمن الخطوات التوعوية الهادفة، التي يجب أن نعمل على البدء بتنفيذها إيمانا بأهمية الأهداف التي ستسهم هذه المبادرة في تحقيقها، مشيرة إلى أن مسؤولية وزارة التعليم تجاه منتسباتها، والعمل على تهيئتهن بما يتماشى مع توجهات وسياسات المملكة، رسّخ لأهمية المشاركة في هذا المشروع بالتعاون مع وزارة الداخلية (الإدارة العامة للمرور) لتزويد منتسبات التعليم بأدبيات القيادة الآمنة، والتوجيهات الخاصة بالقواعد المرورية وتعليمات كيفية الحصول على الرخصة وما يتعلق بذلك من شروط وضوابط وغيرهما. وقد خصصت وزارة التعليم عددا من منتسباتها لتفعيل القرار إعلاميا؛ حيث اختار عدد من الطالبات والمعلمات من مختلف مناطق المملكة للتصريحات الإعلامية، فمن القويعية تم اختيار طالبة ثالث ثانوي بمدرسة الوسام بالقويعية مياسة العريفي إذاعياً، والمعلمة أمان السهو من تعليم الجوف صحافيا، والإداري سلطانة من تعليم الطائف تلفزيونياً، والمعلمة نجلاء العضبان تعليم الجوف أيضا، والإدارية دعد عسيري من تعليم محايل عسير، وحمامة تركي للسوشل ميديا، ومعلمة ابتدائي من ذوي الاحتياجات الخاصة نورة عبد العزيز بالإذاعة أو الصحافة، وكلهن تجهزن لعمل لقاءات إعلامية معهن عن قيادة المرأة. «نجم» يبادر واحتفلت الإدارة العامة للمرور، وشركة «نجم لخدمات التأمين» بتخريج محققات يمثلن الدفعة الأولى لإدارة الحوادث المرورية، وأوضحت المدير العام للاتصال المؤسسي والتسويق بشركة «نجم» مها الشنيفي، أن الخريجات خضعن لبرنامج تدريبي مكثّف، بعد أن تم اختيارهن وفق معايير واضحة ودقيقة، لإدارة ومعالجة الحوادث. وأشارت إلى أن قرار «نجم» بتوظيف محققات يأتي انسجاماً مع الأمر السامي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله باعتماد تطبيق نظام المرور ولائحته التنفيذية، الذي يمكن المرأة من قيادة السيارة وفق الضوابط الشرعية والنظامية المحددة لذلك، مشيرة إلى حرص الشركة على تطوير عملياتها، حيث بدأت بإعداد برامج تدريبية للنساء لتأهيلهن لوظيفة محققة حوادث. ونوهت إلى أهمية تمكين المرأة لتكون عنصراً فعالاً في المجتمع، مؤكدةً الحاجة الماسة لوجود محققات من النساء للتحقيق في الحوادث المرورية، بعد قرب دخول القرار السامي المتعلق بقيادة المرأة حيز التنفيذ. على الصعيد ذاته؛ أكد الرئيس التنفيذي لشركة «نجم» الأستاذ فهد بن إبراهيم العقيل، أهمية إشراك المرأة في إدارة ومعالجة الحوادث المرورية، الأمر الذي يسهم في تنفيذ القرار السامي القاضي بالسماح للمرأة بالقيادة، وضمان اتخاذ أفضل الحلول لمواجهة الطوارئ بشأنه. السائق الأجنبي وعن إيجابيات القرار على خفض نسبة السائق الأجنبي، قال مدير إدارة التسويق والعلاقات العامة في شركة ذيب لتأجير السيارات أحمد الزهراني: قد يسهم ذلك في تقليل نسبة السائقين الأجانب في المملكة، فبحسب إحصاءات أخيرة، فإن أعداد النساء اللاتي يخول لهن القيادة نظاما يفوق 10 ملايين امرأة، بمن فيهن المقيمات. مؤكدا أنه بتنفيذ القرار السامي الكريم سينشط سوق تأجير السيارات؛ حيث سيحتاج أعداد كبيرة من النساء لاستئجار السيارات وقيادتها بأنفسهن، وهذا لا يمكن تجاهل أثره على سوق تأجير السيارات، ما جعل أسهم معظم شركات التأجير والشركات التي تقدم خدمات التأمين على السيارات، ترتفع في يوم إعلان القرار السامي لقيادة المرأة للسيارات. وعن الاستعدادات تزامنا مع تنفيذ القرار السامي، أكد أن كثيرا من قطاعات تأجير السيارات ومن ضمنها شركة ذيب لتأجير السيارات، قد تأهبت للمناسبة منذ وقت مبكر، بقيامها بحملات تسويقية تستهدف قيادة المرأة، كما قامت بافتتاح فروع جديدة في النقاط التي توجد فيها المرأة، وتعيين نساء في مراكز البيع المنتشرة بالمملكة، إضافة إلى وضع خطوط ساخنة لاستقبال الطلبات والاستفسارات لكل ما يتعلق بتأجير السيارات للمرأة، إسهاما منها في تنفيذ الأمر السامي الكريم. ونفى الزهراني ما يتردد عن قيام شركات التأجير برفع أسعار الإيجار اليومي أو الشهري لسيارات التأجير. جاهزية وتأهب عدد من وكالات السيارات تأهبت وتجهزت تزامنا مع قرار الانطلاقة لقيادة المرأة في المملكة، فقد قامت شركة توكيلات الجزيرة للسيارات، بتجهيز فرعها في شارع التخصصي في الرياض لاستقبال العميلات السعوديات وعائلاتهنّ، من خلال صالة عرض تتّسع ل 14 سيارة بفريق مبيعات مدرّب من النساء، وقد تمّ تصميمها لجعل تجربة شراء وامتلاك سيارات فورد خالية من أيّ توتّر، ووفرت خدمات المساعدة على الطريق في حالات الطوارئ مخصّصة للنساء في كل أنحاء المملكة، لمزيد من راحة البال لدى العميلات الجديدات، وتمّ تصميم صالة العرض كفرع شامل للعميلات ضمن بيئة عائليّة ودودة، وهي تقع في حي المحمدية في الرياض بالقرب من مراكز التسوّق الأكثر شعبيّةً في العاصمة السعودية. مؤكدة أنه بمقدور النساء في المملكة البدء بقيادة السيارات على طرقات المملكة بشكل قانوني بدءاً من هذا اليوم، معتبرة هذا اليوم بالغ الأهمية، ورحبت الشركة بالنساء إلى عالم قيادة السيارات وتشجيعهن للمضي تحت شعار «قدّام». وأضافت: تؤمن شركة فورد موتور كومباني بأن حرية الحركة تدفع عجلة الازدهار، ويسرّنا اليوم أن نكون جزءاً من هذا الإنجاز الكبير في المملكة؛ لنحظى بفرصة ثمينة لدعم النساء خلال هذه الفترة الاستثنائية، وقام فريق التواصل الإعلامي لدى شركة فورد الشرق الأوسط وأفريقيا بتزويد الجهات الإعلامية بمعلومات صحافية تتضمّن روابط فيديو وصورا لاستخدامها في المنشورات والمواد التي تتناول السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة. وقد قامت المصورة السعودية نورة الشريبي وفريقها بالتقاط صور لنساء يبتعن السيارات في عدد من قاعات البيع لقيادتها عقب تنفيذ القرار. استطلاع نسائي وقامت شركة الجبر التجارية منذ صدور القرار السامي بالسماح بقيادة المرأة باتخاذ عدد من الخطوات التفاعلية السريعة؛ حيث كانت البداية عبر مسح شامل على شرائح متعددة من السيدات في مختلف مناطق المملكة، كان نواة لإنشاء مجلس استشاري تم تشكيله من السيدات اللاتي شملهن الاستطلاع، وتولى هذا المجلس تقديم الاستشارات والمبادرات التي تعزز جهود الشركة لتقديم أفضل خدمات ممكنة للعملاء من الجنسين، بعد أن تم إطلاقه رسميا في الأيام الماضية، كما رعت الشركة عديدا من الفعاليات والأنشطة الهادفة لتهيئة سيدات المجتمع للانطلاق في طرقنا، ونشر السلامة المرورية، وذلك عبر رعاية ملتقى قيادتي إرادتي في جامعة الإمام عبدالرحمن في الدمام ومعرض 10/10 قيادتي التزامي في مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية (سايتك) في الخبر، إلى جانب معرض عائلي نسائي يعد الأول، وعرضت مجموعة منوعة من سياراتها المتميزة أمام العائلات والسيدات في معرض سيارات سابق، وقدم فريق عمل الشركة شرحا وافيا للزائرات عن كل ما يميز سيارات كيا، وأجاب في الوقت نفسه عن كل الاستفسارات المتعلقة بالجوانب التقنية والجمالية في سيارات كيا. وقامت بتجارب قيادة حية للسيدات في الميدان المخصص لهذا الغرض في المعرض وسط إشراف من مدربات معتمدات، مع توفير كل المستلزمات الأخرى المطلوبة في مثل هذه التجارب، وكان التفاعل عاليا جدا من السيدات لتجربة المركبات. تطوع القائدة وسيمكن قرار قيادة المرأة تنشيط العمل التطوعي لها، من خلال تقديم مختلف الخدمات التطوعية لزميلاتها قائدات المركبات إسهاما في تعزيز ثقافة العمل التطوعي لدى المرأة وترسيخها وتعميمها بين أفراد المجتمع، وهذا ما يراه محمود الجعفراوي – قائد فريق تطوعي للدفع الرباعي – وأحد أعضاء فريق متطوع مع الدفاع المدني، حيث قال: يبدأ تنفيذ القرار السامي بالسماح بقيادة المرأة لتكون المرأة جزءا من نسيج هذا المجتمع، وستأخذ دورها الريادي المعتاد كحجر أساس في نشأة هذا الوطن وتقدمه. فالمرأة هي ربة المنزل، وهي المعلمة والطبيبة، وقريبا ستكون أحد أفراد دوريات المرور والدفاع المدني، وتطلعا لتطبيق «رؤية 2030» فقد تم فتح باب التطوع، وذلك لجلب أصحاب الهمم من الجنسين، ولكن السؤال هنا: هل تستطيع المرأة أن تكون جزءا من عمليات الإنقاذ؟ وهل بمقدورها المساعدة والتطوع في هذا المجال؟ الجواب: نعم تستطيع، فبمساعدة فرق الإنقاذ سيكون باستطاعة المرأة المساهمة في الإنقاذ، وذلك عن طريق تحويل أي سيارة للدفع الرباعي وتجهيزها ببعض المعدات الأساسية ومعرفة كيفية استخدامها من إنقاذ عديد من الأرواح – خصوصا النساء - أثناء السيول أو الكوارث الطبيعية لا قدر الله، فهي أقدر على التعامل مع أختها المرأة والأسر والأطفال، وسيكون لها دور فعال في خدمة المجتمع، والاستفادة من خبرات بعض الأخوات في شتى مجالات المعرفة، وهذا يعتبر واجبا دينيا ووطنيا، يسعى الجميع لنيل هذا الأجر والشرف، لنثبت للجميع أن المرأة السعودية قادرة، ليس فقط على قيادة المركبة، ولكن تستطيع تحويل المركبة إلى طوق نجاة لكل من يحتاج يد العون. Your browser does not support the video tag.