في أيام العيد الفطر، مما حظينا به، في مدينتنا الرياض، أننا نكتشف مسارح المدينة الفاخرة، كاد الغبار الذي انتشر الليلة الثالثة أن يحجبها عنا، لولا وعد الزمان والمكان، موعد حفلة اللبنانية هبة القواس على مسرح مركز المؤتمرات، في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن –رحمها الله-. عازفون كثر وقائد فرقة بشوش يحيي الحضور بالعربية، وينتقل إلى الإنجليزية، بلكنة اسكندنافية لا تخفى، الحضور يختلف عن حضور مسرح مركز الملك فهد الثقافي، ثمة فارق بين حي الرفيعة وحي المطار. دخلت الهبة بفستانها الأسود الدانتيل، محيية ومباركة هذه الليلة وحضورها، الذي لم يبخل عليها بالتحية في كل مجيء وانصراف. يمكن القول، دون مبالغة، لم يتجاوب الحضور بالذاكرة والاستماع، سوى لعملين ليسا لها: الأول أخطأت غير قاصدة بنسبته إلى الأندلس، موشح "لما بدا يتثنى" لعبدالرحيم المسلوب، من القرن التاسع عشر، ينتمي إلى الموشح الشرقي، في مدرسة حلب الغنائية، والثاني أغنية "امتى ح تعرف" "كلمات: مأمون الشناوي، لحن: محمد القصبجي"، وأداء: الكبيرة أسمهان، من فيلم "غرام وانتقام" 1944. أشارت إلى أن هناك توزيعاً جديداً للعملين، وما استمعنا سوى إلى مط الزمن في الأولى، وإلغاء الإيقاع في الثانية، وتعمد في الأداء، وذلك لانتفاء صوت الرئة، إلى استخدام درجات صوتية مرهقة لا يمكن أداؤها، بالأداء من الرأس، كما أن في اللحن الثاني، تنويعاً مقامياً يلعب في تحولات الشعور، الذي تعبر عنه كلمات الأغنية ولونها، استحالت إلى ضباب نغمي. لقد تابعت محاولات هبة القواس، ولم تتحول إلى تجربة بعد، أولاً، لتقديم حنجرتها ذات التقنية الأوروبية بإطلاق الصوت من الرأس -لا من الرئتين كما يعرف من المواهب الصوتية الإنسانية العظيمة-، الذي ينعت خطلاً بالأوبرالي، وثانياً، محاولات التأليف الموسيقي، الذي تنزع إلى تعبير تستخدمه "من موسيقتي"، وثالثاً، النصوص الشعرية التي ترافق هذه الأعمال. تلقفت منذ البدايات مجموعتها الأولى "أغنيك حبيبي" 1996 حتى الثانية "لأني أحيا" 2011، تخللهما حفلات كثيرة، عزفت فيها موسيقى، لا تعتمد قوالب موسيقية، تأليف حر، ذات موازين محدودة، وأغنيات "من موسيقتها". ربما تحاول القواس أن تكون، بعد المدرّسة، مغنية وموسيقية معاً، لتقنية أداء أوروبي، ماتت منذ قرنين، على أن كبار حناجر هذا الفن، في أوروبا، تخلت نحو أغنيات القرن العشرين، سواء من إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، بينما ظهرت مجموعة متخصصة بغناء الباروك. جمعت، قليلات، في العالم العربي، أولاهن أسمهان ثم فاديا الحاج، أما القواس فهي تتشطر على الفن ولا تقيمه.. Your browser does not support the video tag.