(عزف الضوء) كتاب صادر عن (دار ارفاء) للنشر والتوزيع هذا العام 1439 ه للكاتبة سميرة الشريف. وتتألف مادة هذا الكتاب من مجموعة من المقالات والخواطر المدعمة – أحيانا – بشواهد شعرية، تم اجتزاؤها من دواوين لبعض الشعراء المعاصرين، جاءت بشكل (توقيعات) اختتمت بها الكاتبة نهاية كل مقالة أو خاطرة منها على حدة، وربما ذيلت بعضها الآخر بما أسمته ب"ومضة إشراق" لتكون بمثابة خاتمة مناسبة لما تتحدث عنه. ولا أجد ما يناسب مادة هذا الكتاب الجميل، وأسلوبه الرائع، ولغته الفائقة الروعة من وصف أفضل من وصفه بأنه "سيمفونية القلم والورق" أو أنه "الكتابة من أجل الكتابة" لكونه يكشف تلك العلاقة الفعلية الحميمية بين الكاتب المبدع وسر ولعه وشغفه باللغة كوسيلة اتصال حيوي ضروري بينه وبين الآخر! أن (سميرة الشريف) من خلال عملها هذا لا تنظر للكتابة على أنها ترف، أو شيء من الوجاهة، أو أنها مهنة مشاعة، يمكن أن يمتهنها من يشاء من الناس، وإنما هي أمانة إنسانية، وموهبة وملكة مكتسبة، تصقلها التجارب والخبرات والاحساس بالحياة والكائنات والمخلوقات، أكثر من كونها أي شيء آخر! وعلى عكس ما تعودناه من (جدلية الكتابة مع الآخر) وردود أفعالها المتباينة، والتي كثيرا ما تضع الكاتب في مواجهة حذرة مع القارئ أو المتلقي بوجه عام، غير أننا نجد أن جدلية سميرة الشريف مع الكتابة كانت نابعة - في المقام الأول - من ذاتها، قبل أن تضع نفسها موضع جدل مع القارئ! وهذا هو ما يمكن أن نطلق عليه (أهمية الوعي برسالة الكاتب، أو لنقل: المبدع، أيا كان نوع الإبداع الذي يمارسه). ونلمس مثل هذا التوجه السامي في كثير من المقالات التي ضمها هذا الكتاب بين دفتيه، والهادفة كلها إلى تنمية الحس الإنساني النابع من قلب الكاتب نفسه وعقله وعاطفته بأهمية ما يكتبه للناس أو المجتمع، ورسالته الحقيقية إليهم، وكيف يمكن أن يوصلهم ما يشعر به تجاههم، وعلى الوجه الصحيح وبالأسلوب الأمثل. وهذا أمر لا بد أن يعيد لذاكرتنا التفكر في مقولة "ما يخرج من القلب مقره القلب" ويجعلنا قادرين على تقبل مصداقيتها إلى حد كبير! وحول هذه النقطة تتحدث الكاتبة في إحدى مقالاتها المعنونة ب"رنان بلا معنى" قائلة: "هنا ثمة حديث ينازع الواقع، ليأتي على هيئة حروف مدونة في سطور من كتاب تتحدث عن الشيء وضده، لتبين لنا الأمور وتتضح الرؤية، ويكون التمايز الجلي الذي نلاحظه من الوهلة الأولى. أن القلم النبيل يأخذك إلى أفق به طهر سماوي نقي أن كتب فهو كاتب بمداد صاحبه المتورع عن الوقوع في شرائك بلهاء تنقصه قدرا، وتهوي به في جوف مظلم من آثام. إن النبيل الذي رسم اسمه، وعرف بشخصه، ومضى كاتبا بكل ما يخدم مجتمعه، ليقيم عوجا، ويساند ضعفا، ويشد أزرا، ليأتيك بحديث به من الرصانة، والبيان ما يسد خلل الفكر، وما يداوي به وصب النفس، هذا منهجه بين واضح لا عوج فيه، فلا ضبابية، ولا عتمة بل رؤية جلية سديدة الخطوات". Your browser does not support the video tag.