قبل الحديث عن أهمية المساجد التاريخية في إعداد كود بناء المساجد، وما يجب أن تبنى عليه العلاقة بينهما من خلال استنباط الأسس والمعايير من المساجد التاريخية التي ستثري كود بناء المساجد بما يطور المساجد القائمة، ومساجد المستقبل. لعلنا هنا نطرح عددا من التساؤلات عن المساجد الحديثة في المملكة والتي يقدر عددها بمئة ألف مسجد. ومن هذه التساؤلات: هل تصميم المساجد الحديثة أفضل من تصميم المساجد التاريخية؟ وهل يتوافق تصميمها مع الخصائص المناخية المحلية؟ ويساهم في ترشيد الطاقة الكهربائية؟ وهل يتم ترشيد استخدام المياه في هذه المساجد؟ وهل الصوتيات تتوافق مع المعايير التصميمية أم تنفذ حسب رغبة القائمين على المسجد؟ وهل يشعر المصلي بروحانية في هذه المساجد أم تشغله كثرة تفاصيلها وبهرجتها؟. لاشك أن كل من هذه التساؤلات يتطلب بحثا يشخص واقع المساجد القائمة ويضع الحلول المناسبة لها، وهنا يأتي دور الجامعات ومراكز الأبحاث، ودعم الجهات لها مثل: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وجائزة الفوزان لعمارة المساجد، ووزارة الشؤون الإسلامية، وشركة الكهرباء، وشركة المياه، ووزارة الشؤون البلدية والقروية. والسؤال الذي سيتبادر إلى الذهن: لماذا نقوم بهذه الأبحاث وما الفائدة التي ستعود على الجهة الداعمة، وهنا نسوق مثالين فقط لهما علاقة بترشيد الطاقة الكهربائية، وترشيد استخدام المياه. فعندما يقدر مبلغ استهلاك المساجد في السعودية لحوالي مئة ألف مسجد من الطاقة الكهربائية بنحو 8 مليارات ريالا سنويا، وذلك وفق ما بينته ورشة نظمتها الهيئة السعودية للمهندسين في مكةالمكرمة عن المساجد. ولنتخيل فقط عدد مساجد الجمعة، والطاقة الكهربائية المهدرة في تكييفها وإنارتها طوال أيام الأسبوع، رغم أن هذه الطاقة مطلوبة فقط وقت صلاة الجمعة، بينما بقية الصلوات لا نحتاج إلا القليل منها، فلو خُصص جزء من المسجد للفروض فقط، فكم من الطاقة ستوفرها شركة الكهرباء، وكم من المليارات سنوفرها لخزينة الدولة. فكيف لو طبقنا رؤية أبعد واستخدمنا الطاقة الشمسية وخصوصا ونحن ننعم ببلد تكاد لا تغيب عنه الشمس يوما واحدا. ألا يستحق بحث ذلك والاستفادة من تصميم المساجد التاريخية التي تعتمد على الإضاءة الطبيعية، وعلى مواد البناء التي تساهم في حفظ الطاقة، ألا يستحق بحث هذا الموضوع دعم الجهات ذات العلاقة، وإلزام القائمين على المساجد بترشيد الطاقة الكهربائية. والمثال الآخر لو تم ترشيد وتدوير مياه الوضوء في المساجد، واستغلت لسقيا أشجار تزرع حول المسجد، فلو فرضنا أنه تم زراعة فقط عشر شجرات لكل مسجد لأصبح لدينا مليون شجرة تسقى من المياه المهدرة حاليا في المساجد، ولعلنا هنا نستفيد من تجربة المساجد التاريخية في ترشيد استخدام مياه المواضئ لزراعة أشجار مثمرة وإيقافها لخدمة المسجد. وهنا استشهد بما أكد عليه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة التراث الوطني عندما قال في إحدى المناسبات: " تمنينا أن يقر هذا الكود قبل 20 عاما لأن عشرات الألوف من المساجد التي تقام فيها الصلاة تعاني الهدر في المياه والصيانة والتكاليف وتعاني التهالك، وهذا الكود سيعيد الحياة للمسجد من خلال مشاركة الناس والأسر والأطفال للعناية بمساجدهم تحت شعار "المسجد أهم من بيتي". وعندما يصرح سمو الأمير بإشكالية الهدر في تشغيل المساجد فهي نابعة من خبير وقائد في مسيرة الاهتمام بالمساجد تفوق العشرين عاما عندما طالب وزارة الشؤون الإسلامية بوضع معايير للارتقاء بعمارة المساجد وتحد من الهدر في المساحات والطاقة والمياه المستخدمة في المساجد، كما تبنى سموه برنامجا للمساجد التاريخية في مؤسسة التراث الخيرية، وتأسيس برنامج لإعمار المساجد التاريخية في كل من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية تركز على المحافظة على المساجد التاريخية وتأهيلها للعبادة، وتبرع سموه بترميم عدد من المساجد التاريخية، بالإضافة إلى مبادرة سموه بتأسيس كرسي لعمارة المساجد في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل. *متخصص بالتصميم العمراني والتراث العمراني Your browser does not support the video tag.