رغم العراقيل الكثيرة التي اصطدم بها لقاء كيم جونغ أون بترمب، ورغم النزق الكوري الذي كاد أن يدفع الأميركيين إلى إلغاء اللقاء، لا يقاوم الرئيس ترمب وفريقه الرئاسي إغراء صفقة تاريخية وصورة غير مسبوقة يصافح بها الرئيس الأميركي زعيم كوريا الشمالية للمرة الأولى حيث من المتوقع أن يكون هذا الإنجاز -إذا ما تم- أهم الإنجازات التي سترتبط باسم الرئيس ترمب على المدى الطويل. وفي ظل الوضع الأميركي القائم والانقسام الحاد في الكونغرس والبلاد عامةً على تأييد الرئيس، يصطدم الرئيس الأميركي بحواجز كثيرة تمنعه من تحقيق أهم وعوده الانتخابية حيث لم يمرر الكونغرس للآن الميزانية التي ترغب بها إدارة ترمب لتحقيق أهم وعود الحملة ببناء جدار على حدود المكسيك، كما لم ينهر أوباما كير بالكامل بعد كما أراد ترمب، ووعود كثيرة أدلى بها ترمب على قائمة الانتظار لم ينجز منها شيء خاصة على صعيد الداخل. من أهم الأوراق الرابحة في يد ترمب، هو الفريق الذي يحيط نفسه به من صقور جمهوريين محنكين وأصحاب دراية وشجاعة كبيرة حين يتعلق الأمر بإظهار المبادرة والقوة الأميركية في السياسة الخارجية، وما يجمع عليه رجالات الإدارة ومن أهمهم مستشار ترمب للأمن القومي جون بولتون ووزيره للخارجية بومبيو هو أن اغتيال النظام الإيراني سياسياً عبر العقوبات التي ستؤثر على الداخل الإيراني ووكلاء إيران، وإظهار فرق وإنجاز كبير عما كان عليه عبث إيران في إدارة أوباما، قد يكون أهم إنجازات الرئيس ترمب والتي ستطبق حرفياً شعار حملته "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، حيث ترى الإدارة أن مجرد توسع نفوذ النظام الإيراني وعدم توقف عبثه فيه مس بالعظمة والقوة الأميركية. ولا شك أن الإدارة تتعامل مع المسألتين الكورية والإيرانية بشكل متكامل ومنسجم يرسم صورة جديدة للسياسة الخارجية الأميركية، تعيدها إلى سابق عهدها خاصة أن الطموح النووي هو التحدي الأكبر في القضيتين. إلا أن الإدارة ترى أن سياسة العصا تنفع أكثر مع الحالة الإيرانية لأن برنامج إيران النووي وحتى الصاروخي لم يصل بعد لمرحلة تهدد أميركا أو حلفائها بشكل كارثي ومباشر بينما وصلت بيونغ يانغ إلى هذه المرحلة من سنوات والحديث قبل أشهر كان عن قدرتها على استهداف "جزيرة جوام" الأميركية بصاروخ بالستي برأس نووي. من هذا الباب ترى الإدارة ضرورة استخدام سياسة الجزرة مع كوريا الشمالية التي فات الأوان على معاقبتها للحد من برامجها النووية والصاروخية حيث تحتاج أميركا لصفقة وتفاهم مع كوريا لوقف برنامجها النووي. أما سياسة العصا مع إيران فمناسبة لأن العقوبات والضغط على إيران سيمنعها من الوصول للمرحلة الكورية الشمالية من القوة وهذا أهم أهداف أميركا من ترسانة العقوبات التي طبقت على إيران والتي هي الأقسى في التاريخ بحسب ما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حتى الرئيس ترمب أثناء إعلانه عن العقوبات ضد إيران قال إن العقوبات ضد إيران ستكون رسالة إلى كوريا الشمالية، أي أن الأمر أقل كلفة على أميركا حين تضغط على إيران ولا مانع من أن تكون معاقبة إيران والتدهور الذي ينتظرها درساً لعابثين آخرين في العالم. وبالنظر إلى تفاصيل مطالب إدارة ترمب من الكوريين الشماليين فإنها أقل حدة من كل طلبات أسلاف ترمب من الرؤساء الأميركيين في المفاوضات التي جرت في الماضي بين أميركا وكوريا الشمالية، حيث لا تطلب اليوم أميركا من كوريا الشمالية أي مطلب يتعلق بحقوق الإنسان أو طريقة معاملة النظام الكوري الشمالي لشعبه (وهو أمر لا تهتم له كثيراً إدارة ترمب في كل العالم بأي حال)، بل تبحث عن تحقيق المصلحة الأميركية في أهم ملف يقف عائقاً بين كوريا الشمالية وانفتاح العالم عليها وهو وقف برنامجها النووي بشكل كامل. الرئيس ترمب يسعى إلى تقديم نفسه كمفاوض محنك ومتعقّل في الصفقة مع كوريا الشمالية، كما يسعى إلى تقديم نفسه كعراب شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" في الحل الإيراني عبر الإثبات أن أميركا قادرة إن أرادت ودون تحريك أي أسطول أو حتى جندي واحد من كبح طموحات وعبث بلد ينهار كإيران، ليثبت مرة أخرى لمن لم يصدق بعد أن خطة أوباما بإعطاء "الجزرة" وليس "العصا" لإيران كانت خياراً خاطئاً، والبديل الذي لم يختره أوباما وكان من شأنه تجنيب المنطقة الكثير من الفوضى لم يكن ليكلف أميركا الكثير. Your browser does not support the video tag.