وجود وزارة فتية وشابة تُعنى بكل قطاعات الثقافة في بلادنا وتدعم الموهوبين وتفتح الباب للإبداع وللجميع يتسق وبامتياز مع التحولات التي تعيشها المملكة والتي لم تعد حلماً بل واقع نلمسه كل يوم.. أمر الملك سلمان بإنشاء وزارة للثقافة لاقى ترحيباً كبيراً؛ كونه سيدعم هذا الجانب المهم الذي لم يجد العناية التي تليق به مقارنة بما تم على الصعيد الإعلامي، هذه الخطوة اللافتة تعني أن لدينا سلاحاً مهماً يمكننا استخدامه لتفنيد الصورة النمطية وتعزيز هويتنا الوطنية وإظهار مكانة بلادنا الحضارية، وهو ما ينتمي لما يسمى بالقوة الناعمة. الأمر الملكي وضع الكرة في ملعب الوزارة الناشئة التي هي جزء من القوة الناعمة، لتنطلق بقوة لترجمة ما هو مطلوب منها وفق رؤية 2030. كنت قد تحدثت عنها سابقاً، فمنذ عقود، ومن انتهاء الحرب العالمية الثانية والعالم يتجه إلى المطالبة بالتعايش السلمي وتلاقح الثقافات والتخلي عن القوة الصلبة. «القوة الناعمة» تعني السعي لتحسين صورة بلد ما من خلال تكريس طبيعة التأثير الفكري والثقافي والإعلامي، ما يعزز نفوذ هذا البلد أو ذاك في الخارج، أخذت حظوتها واستخدامها كأداة في السياسة الخارجية خلال الخمسينات والستينات مع بروز الحرب الباردة آنذاك بين المعسكرين الشرقي والغربي. كان الاتحاد السوفيتي يروج العدالة ورخاء الدولة في حين أن أميركا كرست ترويج الحلم الأميركي ورفاهية الإنسان، كانت القوة الناعمة هاجس المفكرين والبرلمانيين والساسة في العقود الماضية، كانوا يؤمنون أنها السلاح الأقوى، ومن هؤلاء السيناتور الأميركي جيمس فولبرايت الذي ظل يدعو في كتاباته أن أميركا تستطيع أن تكون قدوة للعالم ليس باستخدام القوة العسكرية وإنما بترويج القيم الثقافية والإنسانية وحقوق الإنسان. فلاسفة الصين كانوا أول من طالب باستخدام القوة الناعمة لتعزيز السلطة السياسية، وهناك أيضاً المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي الذي طرح في ثلاثينات القرن الماضي نظرية الهيمنة الثقافية التي ترى أن «الرأسمالية يمكن لها الهيمنة ليس فقط بالسلطة والمال بل عبر تفعيل أدوات متعددة من وسائل إعلام ومؤسسات بحثية وفكرية». ومع ذلك يبقى الأميركي الأكاديمي جوزيف ناي هو أول من صاغ هذا المفهوم في التسعينات من القرن الماضي كنظرية، مشيراً إلى أن وسيلة النجاح في السياسة الدولية باستخدام القوة الناعمة. القوة الصلبة أو التهديدات العسكرية رغم تأثيرها لم تعد في وقتنا الراهن الأداة الأكثر فاعلية للنفوذ والسيطرة، بل بزتها أدوات أكثر قدرة وفاعلية من إعلام جديد وفنون وأوبرا ومسرح وسينما ورسم ونحت ورياضة وإنجازات معرفية. استخدام القوة الصلبة كالاحتلال العسكري أو العقوبات الاقتصادية لم يعد مقبولاً من الشعوب، ولذا جاءت القوة الناعمة كبديل لها نفس التأثير وربما أكثر، تسيطر على العقول دون أن تشعر بتلك الهيمنة، الاختلاف الجوهري ما بينهما هو في القدرة على التأثير عن طريق الاستمالة والترغيب لا الإجبار والترهيب وهنا يكمن الفارق. وجود وزارة فتية وشابة تُعنى بكل قطاعات الثقافة في بلادنا وتدعم الموهوبين وتفتح الباب للإبداع وللجميع يتسق وبامتياز مع التحولات التي تعيشها المملكة والتي لم تعد حلماً بل واقع نلمسه كل يوم. الحراك الضخم والمتواصل غير المسبوق الذي شهدناه ولمسناه على الصعيد الرياضي ومجال الترفيه لا بد وأن ينتقل للقطاع الثقافي بذات الزخم والجهد وربما أكثر لانعكاساته الإيجابية على المجتمع وآلية تفكيره. الآمال معقودة على الوزارة التي تتعاطى مع منتجات ثقافية غير تقليدية مما يضاعف المسؤولية. التحديات والفبركات والمحاولات التي تواجهها بلادنا بحاجة إلى خطاب ثقافي يعكس مخزونها ويستعرض تراكماتها التاريخية وموروثها الحضاري. ثمة حاجة لإعادة النظر في أداء مؤسساتنا الثقافية المتعددة التي تعمل وفق أسلوب الجزر المنفصلة، وتعمل كل واحدة في فلك منفصل مع أنه يفترض أن تكون منظومة متسلسلة ومتناغمة لتحقيق الأهداف. نشعر بالتفاؤل بإنشاء وزارة للثقافة وتعيين شخصية نشطة مرتبطة بهذه الثقافات غير التقليدية لا سيما وأن لدينا من المقومات ما يوفر النجاح لهكذا مشروع موعود، علينا أن نستثمر جدياً في هذا الحقل بما يخدم مصالح بلادنا. ثمة عوامل وعناصر ومغريات وأدوات وبعضها إرث حضاري وثقافي وتراثي وآداب وفنون كالمسرح والسينما وغيرها مما ينتج عنها شبكة علاقات وتغيير الصورة النمطية وأسلوب جاذبية ما يعني توظيفها بالشكل المناسب. Your browser does not support the video tag.