مشكلة الفن لدينا نحن العرب جزء من مشكلة الثقافة. وإذا رصدنا الفعاليات الفنية في الخليج تحديداً نجدها في حالٍ من التناقص التدريجي. فنون كثيرة ألغيت ومهرجانات فنية طمست. حتى الجامعات العلمية ضعف مستوى الفن فيها. جامعات في الشرق والغرب بالسعودية كانت مدججة بالفنون قبل أن تطمس الأنشطة وتقتصر على تكرير الثقافة السائدة من محاضراتٍ وسواها. الفن هو علاج حقيقي، والراحل المفكر العفيف الأخضر كتب دراسةً طويلة عن دور الفن في مكافحة الإرهاب. الوردة تهزم الرصاصة، والفن يهزم السوداوية في العيش والعنف في الذات، ليذهب بها إلى مساحاتٍ أرحب وإلى فضاءات أوسع. الفن هو علاج وجودي متكامل. يقول الفيلسوف ديكارت:" إن الموسيقى والفنون تبعث في الإنسان اللذة النفسية التي تأتي بعد الارتياح والسرور". والفيلسوف هيغل يرى أن الفن ينتج لنا تكوينات أخرى ويفتح لنا مجالات غير التي اعتدنا عليها. في العصر اليوناني كان الفن قرين الروح وبه يتغذى الإنسان وجودياً ونفسياً. الفنون هي أساس الحياة اليومية ومن لم يعش الفن بكل مجالاته لم يتذوق الحياة حق التذوق. حين تنعدم الفنون تتصحر الحياة وتجف ومن هنا يكون لها أكبر الأثر على أي مجتمع. حين ترى التماثيل في الشوارع، وتنظر إلى عازفي الجيتار في الطرقات وتنصت إلى مقطوعات موتزارت في السيارة وترى الجمال في المسرح وتنطق الأغنية بكلمةٍ جميلة وصورة بليغة تعرف أن الفن هو الحياة بمعناها الأرحب. شاهدتُ قبل أيام مقابلة خاصة مع مفوضة من الأممالمتحدة ذهبت إلى سورية للعمل الإنساني، تحدثت عن الأطفال ورسوماتهم هناك، وقالت:"الأطفال لا يرسمون هناك، بعضهم يحاول أن يرسم شكل سلاح"، هذا الجو المرعب وهذه الحرب الشعواء أسست لهذا القمع للحس الطفولي. حين لا يجد الطفل زهرة أو وردة أو عصفوراً أو حديقة يبدأ برسم ما يمثل أمامه من هنا يموت الفن وتذبل الزهور وتموت الورود. بآخر السطر، للفن قوته في تقوية العلاقة بالحياة والوجود وحين نتعامل مع الفنون بالقمع فإننا ننتج مجتمعاً مقموعاً ومسحوقاً. مجتمعات تخاف من الموسيقى من الفنون ومن المسرح ومن الأفلام، تخاف من السينما والأوبرا، هذه هي المشكلة. قالها نيتشه من قبل:"قد تكون الحياة من دون موسيقى غلطة".