مازال رمضان جميلاً في المنطقة الشرقية، لكنه لم يعد يشابه في طقوسه رمضان الزمن الجميل الذي عاش فيه الناس على عادات وتقاليد تحيطهم بالمحبة والألفة لمفهوم الحي الواحد الذي كان بمثابة البيت الكبير الذي يتسع للجميع. ويشير الخبير في التراث الشعبي عبدالله بن حمد المطلق، إلى أن من بين العادات الرمضانية في ذلك الوقت وجود المسحراتي الذي كان يطوف الشوارع والأزقة من أجل إيقاظ الناس للسحور، ذاكراً الله، وهي مهنة عظيمة فقدناها في وقتنا الحاضر وأصبحت في طي النسيان، كذلك من العادات القديمة المتوارثة في شهر رمضان عادة تبادل الأطباق بين الجيران وهي ما تسمى بالنقصة، وهي العادة التي تضفي على المجتمع مزيدًا من الترابط والألفة والمحبة، ومنذ القدم عرف الأهالي هذه العادة حيث يسارع الأطفال قبل حلول المغرب، وقبل الأذان بوقت كاف بحمل أطباق الوجبات المختلفة إلى الجيران والأقارب الذين يستقبلونها ويأبون إلا أن يردوها ممتلئة بما طهوا في بيوتهم في الحال أو في اليوم الثاني، في مشهد يتكرر طوال الشهر الكريم، وتحتوي تلك الأطباق الأكلات الشعبية الخاصة برمضان ومن بينها الهريس، والجريش واللقيمات والشعيرية. حيث تشتهر المنطقة بأكلاتها الشعبية التي حافظت عليها رغم تعاقب الأجيال على غرار باقي مناطق المملكة ومحافظاتها التي لاتزال تسجل حضورها القوي أمام الوجبات والأطباق الحديثة، ومن أهم الوجبات الشعبية التي لاتزال كذلك «الهريس» الذي يعد أبرز الأكلات الشعبية الرمضانية والبعض يصنعها يومياً، وتتكون من القمح واللحم المبهر، اللذين يطبخان معاً ويتركان حتى ينضجا ثم يهرس اللحم مع حَب القمح بقطعة خشبية تسمى «المضرابة» حتى تختلط، ثم يُضاف إليهما الدهن البقري الذي يُكسبهما مذاقاً خاصاً، وعندما تمضي العشر الأولى من ليالي رمضان من كل عام، يُهرع أولياء أمور الفتيان الصغار والفتيات إلى محلات بيع الحلويات والبسكويتات الصغيرة في حجمها والغالية في ثمنها، لتمتلئ صالات بعض البيوت بالأشكال والألوان والأكياس استعداداً لليوم الرابع عشر من الشهر الكريم، حيث يلبس الأطفال ملابس فلكلورية وهو (يوم القرقيعان) حيث يطوف الأطفال «بنين وبنات» الأحياء في المدن والبلدات مرددين بعض الأناشيد منها: «قرقع قرقع قرقيعان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم»، معلقين على رقابهم أكياساً صغيرة يجمع فيها كل ما حصلوا عليه أثناء الطواف في البلدة من حب ومكسرات وحلويات وكل بيت يدخلونه لابد من ترديد هذه العبارة: (قرقع قرقع قرقيعان) فإذا جاوبهم أهل البيت أخذوا نصيبهم، أما إذا لم يجبهم أهل البيت فيعبرون بامتعاض عن عدم رضاهم فإذا امتلأ كيس أي طفل يذهب إلى بيته ويفرغه، ثم يبدأ "يقرقع" من جديد، ومساءً تبدأ بعض الأسر بتبادل القرقيعان مكلفة أحد أطفالها بإيصال القرقيعان إلى بيت فلان وتلقنه عبارة: (يسلمون عليكم أهلي وهاكم قرقيعان أخي الصغير ويسميه أو يسميها إذا كانت بنت) وهكذا بقية الأسر يتبادلون القرقيعان، وهذا يدل على الترابط والتعارف بين جميع عوائل وأسر بلدتي. Your browser does not support the video tag.