عشنا أياماً لا تنسى ولا تمحى من ذاكرة حياتنا، كانت أجسادنا غضّة صغيرة وأرواحنا خفيفة مشرقة، وكنا نعيش الفرح بكل تفاصيله البسيطة ببراءة وصدق مع أول ليالي شهر الخير، شهر السعادة، شهر الراحة، شهر طبع في قلوبنا الحب وانشراح الصدر، نستقبله مغرب إعلان ثبوت رؤية هلاله بالدموع تذرف دون سابق إشعار، دموع فرح وقلوب طاهرة نقية، بهذا الضيف فسبحان الله حينما يستمر الشعور والفرح طوال أيام الشهر، وكأن كل يوم عيد جديد، فور إعلان الشهر الغالي نسارع إلى تنظيف بيتنا الشعبي الدافئ مع والدي ووالدتي وخالتي "زوجة أبي" أمي الثانية -رحمها الله-، ويمتد مشروع النظافة إلى خارج الدار، ونعتني برش شارعنا بالماء رغم كل جهد في ذلك غير محسوس، وبمجرد أن ننتهي نذهب مع ابن الجيران ونتعاون وننظف أمام شارعه وهكذا، وقبيل العشاء بلحظات نذهب لنستحم ونعد لصلاة العشاء ولأول صلاة تراويح، ونتسابق إلى المسجد الحجري الطيني، الله الله الله على أول ليلة صلينا فيها التراويح والله الله على دعاء إمامنا والدي رحمه الله الخاشع الساكن. في اليوم الأول للصيام، الروح ترفرف تعانق السماء وتعيش نوعاً متفرداً من الفرح، وتختلط المشاعر في قلوبنا، رمضان كان ومازال وضيئاً في أعيننا، اليوم الأول كان صعباً وسهلاً وكان صوماً بمعناه الحقيقي، فحياتنا العملية تبدأ نهاراً بالمدرسة، وبعد ذلك مشاركة الأسرة بإعداد إفطار اليوم الأول. وما أجمل عصر اليوم الأول حيث يتبادل الجيران أنواع وجباتهم، ما أجمل وأعذب صوت الأذان عند الفطور، تسري كلماته في عروقنا وتتحرك الشفاه نكبر ونردد مع المؤذن، وقد نقول أحياناً كثيرة الله أكبر ولا ننتظر أن ينتهي المؤذن. شعوري لا يوصف في لحظة تمام صيام اليوم الأول، وانتصارنا على الشيطان في لحظة يعلن فيها موعد الفطور وأذان الصلاة، ولن أنسى أول يوم صوم لنا وقد حفزتني أمي -أطال الله في عمرها- على الصيام ولو إلى العصر رحمة منها بنا، وأبي -رحمه الله- حينما كان يتكلم وببشر منقطع النظير عن فضل الصيام وأجره وثوابه وأثره على قوتنا وصحتنا وقبله على إيماننا، ولن أنسى الصوم في الحر الشديد حينما كنا نبلل الشراشف وننام في مزرعتنا متعبين وسعداء. قبل صيام أول يوم لن أنسى سحور أول ليلة، وخاصة عندما هربت إلى الماء لأشرب وأرتوي وكأني سأصوم الدهر، وكم هو جميل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، نعم والدي كان يحثنا على القراءة المستمرة لكتاب الله والمضاعفة في رمضان، لله درك والدي العزيز -رحمك الله- فكم نجحت مربياً ومعلماً وغرست فينا حب القرآن رغم أننا اليوم ضعفنا في تدبره وفقه معانيه ودروسه فحتى هذا اليوم وابنك لا ينفصل عنده رمضان عن القرآن - نسأل الله السداد والقبول - تلك الأيام، ألخصها في أننا نعرف رمضان أنه أيام السعادة والبهجة وحلاوة الصيام والتراويح. Your browser does not support the video tag.