هناك فرق بين المصل واللقاح.. فالمصل يتضمن (مضادات جاهزة) ضد المرض مصنعة مسبقاً.. أما اللقاح فيتضمن (ليس مضادات المرض) بل ميكروبات ضعيفة أو معدلة تحث جهاز المناعة على إنتاج مضاداته الخاصة. وكان الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر قد اكتشف مبدأ التحصين ضد الأمراض حين سمع بالصدفة حديثاً قالت فيه شابة قروية تدعى سارة نيملس إنها لا تخاف من انتشار الجدري (لأنها أصيبت في طفولتها بجدري البقر).. أدرك أن الإصابة بجدري البقر (الذي لا يقتل الإنسان) يحث جهاز المناعة على إنتاج مضادات خاصة لمرض الجدري لدى الإنسان.. وهكذا أحضر لقاحاً من جدري البقر حقنه في طفل خادمه الخاص يدعى جيمس فيبس.. وبعد إصابته بالحمى شفي الطفل فعمد جنر بحقنه عشرين مرة بجراثيم الجدري المميتة دون أن يصاب بالمرض.. وبفضل هذه التجربة أمرت الحكومة البريطانية العام 1840 بتقديم اللقاحات مجاناً لعامة الناس وهو ما تبنته لاحقاً معظم دول العالم لدرجة اختفى الجدري نهائياً من كوكب الأرض.. واليوم لا يختلف الأطباء على أهمية اللقاحات والأمصال في التحصين ضد الأمراض.. ساهم اكتشاف جينر في إنقاذ حياة ملايين البشر، في حين أصبح نصف الأطفال في عصرنا الحاضر يتمتعون بحصانة مسبقة ضد أمراض كانت مميتة في الماضي. .. وبعد مئتي عام من وفاة جينر ظهرت فكرة إنتاج فواكه يحبها الأطفال (كالموز والمانجو والبطاطس) تملك في نسيجها الأمصال واللقاحات المطلوبة.. وهذه الفكرة الغريبة يمكن تنفيذها بفضل «الهندسة الجينية» بحيث تنمو حبة البطاطس أو المانجو وفي داخلها مادة محفزة ضد الملاريا مثلاً.. فكما يمكن لحليب الأبقار ودماء الحيوانات المصابة أن تتضمن مضادات أو محفزات ضد المرض، يمكن التلاعب بمورثات النباتات وتحويرها لإنتاج أمصال طبيعية بطريقة مماثلة.. ويكمن جمال الفكرة في أن حبات البطاطس مثلاً يصعب تلويثها (كإبر الحقن) ولا تحتاج إلى برادات (مثل الأمصال) وتلقى إقبالاً من الأطفال (بعكس الحقن المخيفة) ويكفي تزويد المزارعين بالبذور المهجنة لتتحول الثمار إلى وجبات معتادة! .. الشيء الذي لم أفهمه شخصياً هو السبب الحقيقي وراء عدم انتشار هذه الطريقة حتى الآن؛ فالفكرة ذاتها ممكنة وطرحت منذ السبعينات، وفي كل عام أو عامين تظهر تجربة جديدة تثبت فعاليتها.. أذكر أنني قرأت في مجلة «الجمعية الأميركية للعلوم» عن تجارب استخدام البطاطس في إنتاج لقاح طبيعي للكبد الوبائي.. اتضح في نهايتها أن علامات المقاومة ظهرت لدى 60 % ممن تناولوا 36 حبة، و 50 % لدى من تناول 24 حبة، و40 % لدى من تناولوا 12 حبة فقط. وفي حال تحول هذا النوع من البطاطس إلى طعام يومي دائم لك أن تتصور مستوى المقاومة الذي سيتمتع بها الشخص العادي إمكانية إنقاذ حياة مليون إنسان يموتون سنوياً بسبب التهاب الكبد الوبائي!! .. وبمناسبة الحديث عن الدكتور جينر (الذي أنقذ نصف البشر) هل ما يزال بينكم من يضع نابليون وستالين وجنكيز خان في خانة العظماء؟! Your browser does not support the video tag.