مشكلة إيران مع العالم ليس في برنامجها النووي الذي يجري الانسحاب الأميركي الأحادي منه وفق استراتيجية شاملة سوف يعلنها الرئيس ترمب منتصف الشهر الجاري، ولكن المشكلة في سلوك إيران الذي لا يعكس الثقة والمصداقية والالتزام مع المجتمع الدولي، وتحديداً مع إقليمها ومحيطها العربي، ولعل آخرها تدخلها في الشؤون المغربية، وقبلها في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين، حيث لا يمكن أن تكون إيران مصدر تهديد للعالم، وممولاً وداعماً للإرهاب، ويبقى برنامجها النووي قائماً. التسريبات الأميركية حول الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وردة الفعل الإيرانية بالانسحاب منه، وموقف الدول الراعية للاتفاق روسياوالصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من تعديل بنود الاتفاق والمضي فيه، وهو ما يشجع عليه الأمين العام للأمم المتحدة؛ كل ذلك الحراك السياسي يكشف جانباً مهماً من أن هناك خطأ في الاتفاق يجب تصحيحه، فضلاً عن الانسحاب منه؛ لأنه في الأساس لم يتم الالتزام ببنوده من إيران بالتوقف عن نشاطه النووي السري الذي أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تلتزم به أيضاً دول (5+1) في عمليات الرقابة والتفتيش لمنشأتي «ناتانز»، و»فوردو». المصالح الأوروبية مع إيران لا تزال ترى في الاتفاق أفضل ما يمكن فعله لعودة شركاتها إلى طهران، وروسيا تنظر إلى التوقيت أكثر من أي تفاصيل أخرى، خصوصاً أن إيران طرف في الأزمة السورية التي لم تنته بعد، أما الصين فلا تتدخل في شؤون غيرها وفق دستورها، ولكنها تنظر إلى تداعيات الموقف الأميركي على اقتصاديات المنطقة العربية أكثر من أي جانب سياسي أو أمني. إيران عليها أن تستعد لحزمة عقوبات اقتصادية جديدة، وتجميد لأصولها المالية، وتعود إلى المربع الأول، ولكن هذه المرة لن يكون الحل سياسياً في التفاوض مجدداً مع الدول العظمى، وإنما كيف تواجه تداعيات الخروج الأميركي من الاتفاق على داخلها الهش، وكيف ستتعامل معه على صعيد الاستمرار أو التوقف عن بناء مفاعلاتها النووية التي أصبحت اليوم مكشوفة أمام العالم. السيناريو أن أميركا سوف تخرج من الاتفاق الإيراني، وتعلن عن عقوباتها الجديدة قبل استراتيجيتها، وستبقى إيران مع الدول الأخرى المؤيدة لها في الاتفاق، ولكن لن يصمد الاتفاق من دون الولاياتالمتحدة الأميركية، ولن تتحمل إيران تبعات الخروج من عمل أميركي قادم استخباراتياً واقتصادياً وربما عسكرياً لو استدعى الأمر ذلك. إيران الثورة لم تفكّر أن السياسة مصالح وليست مشروعاً طائفياً توظّفه، أو فعلاً إرهابياً تموله، وبالتالي هي تدفع الثمن اليوم أمام العالم، وغداً أمام شعبها الذي لن يقبل أن يعيش تحت خط الفقر إلى ما لا نهاية، وهو يرى الملالي يقودونه إلى الجحيم، وهنا سيكتب التاريخ موعداً للسقوط الكبير الذي يبدو أنه لن يكون بعيداً. Your browser does not support the video tag.