شاعر، وفارس جاهلي، ذكره معمر بن المُثنى في كتابه مَقاتِل الفُرسان، قاد خثعم في يوم من أيام العرب المذكورة في الجاهلية والذي يُعرف بيوم فَيْفِ الرِّيح (وهي أرضٌ بِدَاح بين بيشة ورنية)، وخبر هذا اليوم عند أبي عُبيدة في كتابه النقائض. يقطُر من شمائله ماءُ الشجاعة فقد نال رُمْح تلك السَجِيّة من الملك النُّعمان بن المنذر كجائزة لفُرسان العرب الأربعة، فلا مُرْية في ذلك فهو القائل: أغشى الحروب وسربالي مضاعفةٌ تغشَى البَنَان وسيفي صارِمٌ ذكرُ هو أنس بن مُدْرِك بن عمرو بن سعد.. بن عامر بن تَيْم اللَّه بن مُبشِّر..) من قبيلة أَكْلُب العريقة، وهم قبائل وبطون كثيرة عناهم بقوله: تَبَالةُ والعِرْضَانِ تَرْجٌ وبِيْشَةٌ وَقَوْمِي تَيْمُ اللّات والاسْمُ خَثْعَمُ ويقول فيهم الحزازة العامري: أَعْشَب الكَوْرُ كَوْرُ عَامِرِ تَيْمٍ حَيْثُ هِرْجَابَ فالميثاءُ وبُرْق بني عامر من الأسماء الجغرافية في صحراء بيشة الشمالية، وتَيْم الله بن مُبشِّر هذا، أخٌ للهِزْر بن مُبشِّر والأخير أَبٌ لقبيلة (الهِزْر) من أَكْلُب ومازالت باسمها ورسمها وفي منازلها القديمة، مجاورين لبني نَهْد بيشة (بني جَهْم حاليّاً)، والذي يقول أحد قدمائهم (ق3-4 ه): تمنيتُ لما حازني الخَوف أني إلى (الهِزْر) نَقِيْلٌ مُحَالِفٌ مضافٌ إلى ذي المال من سرواتهم وما كان من قومي لقومك ضَائِفُ وأنس من الأسماء القديمة التي كَثُر سماعها في العصر الحديث وقد جاء مُحرّفاً ب( أوس) عند ابن عساكر، في كتابه تاريخ دمشق والحموي في معجمه، وكذلك اسم أبيه جاء عند الجاحظ ب(مُدركة)، وتبعه ابن حمدون في التذكرة. ومُدْرِك في اللغة المنتبه اليقظ، وعند ابن سِيْده، عصِير العِنَب، ولم أجد له تفسير عند ابن دُريد في اشتقاق الأسماء كعادته. كُنيته أبو سُفيان كما عند ابن حبيب في الكُنى وشاهد ذلك قول مجاوره ذو الجوشن الضبابي: جَزَيْنَا أَبَا سُفْيَانَ صَاعًا بِصَاعِهِ بِمَا كَانَ أَجْرَى فِي الْحُرُوبِ وَأَوْضَعَا صِهْره خالد بن الوليد _ سيف الله المسلول _ زوج ابنته أسماء والتي أنجبت منه المهاجر، عبدالله، عبدالرحمن، وذبلة، كما عند الزبيري في كتابه نسب قُريش والمُحَبَّر لابن حبيب. أقام شاعرنا بالكُوفة وصاهره الخُلفاء الأمويين فمعاوية بن يزيد بن معاوية ثالث خُلفاء بني أُميّة جدته لأُمه هي فاطمة بنت عبدالشارق من جَليحة أَكْلُب وأُمها ذبلة بنت أسماء بنت أنس بن مُدْرِك. من حُكّام العرب وقُضاتهم فصل بين بني هلال وبني فزارة بعدما وصلوا إليه وتراضوا به والقصة بطولها في كتاب المحاسن والأضداد للجاحظ. وهو صحابي أدرك الإِسلام وحسن إسلامه، عدَّه ابن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة، ممن أسلم بعد فتح مكة، كان على رأس وفد خثعم عام الوفود حينما توافدت قبائل العرب إِلى رسول اللَّه. له أقوال طريفة مع الخليفة عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه ذكرها البيهقي في محاسن الشعر، مفادُها أغار أنس بن مُدْرِك على سَّرْح قُريش في الجاهلية فذهب به، فقال له عُمر بن الخطّاب في خلافته: لقد تبعناك تلك الليلة فلو أدركناك فقال: لو أدركتني لم تكن للناس خليفة. حمل طِباع وشمائل العرب الكريمة، أورد له ابن عبدالبر في كتابه بهجة المجالس أبيات في باب الأخلاق والسؤدد، والتي تعتبر من أشهر أبياته: عَزَمْتُ على إقامةِ ذي صَباحٍ لشيءٍ ما يُسَوَّدُ مَن يَسودُ حيث روى الأصمعي أنه من أَحكم ما سيّرته العرب في أمثالها، وصدر البيت من شواهد سيبويه النحوية، وجعلها لُغة من لُغات العرب الجيّدة التي انفردت بها خثعم، والبيت من الحماسيات عند ابن الشجري، واستشهد به أبي عُبيدة في مجاز القرآن عند تفسير معنى قول الله عز وجل (إِنَّ ذلِكَ لمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). ومن جِيْد شِعره قوله: أبونا الذي لم تَرُكُبِ الخيلُ قبله ولم يدرِ حي قبله كيف يركَبُ يعني إسماعيل عليه السلام أوّل من ركب الخيل واستأنسها، ومازال لأَكْلُب عناية خاصة بالخيل كغيرهم من قبائل العرب، فهُم امتداد لتاريخ أسلافهم. عودٌ على بدء فله مرادات شعرية عديدة مع أقرانه من الفُرسان كلبيد بن ربيعة والسُّليك، فهذا مُلاعب الأسِنّة، عامر ابن الطُّفيل الذي قال فيه: ولو أني أُطِعْتُ لكان مني (لِمُدْرِكِ) أَكْلُبٍ يوماً طويلُ وقال في يوم أبِيْده: وبالنّقع من وادي أبِيْدَه جاهرتُ أُنيسا وقد أردين سادة خثعم وبِيْدَه اليوم وادٍ وقرية بمنطقة الباحة وفيه أيضا يقول الوادعي: عتا أنس بعد المقيل فصدّنا عن البيت إذ أعيت عليه المكاسب يعد أَحد المُعَمِّرِين، بلغ من الكِبَر عِتيّا، ذكره أبو حاتم السجستاني، فقال عاش مئة وأربعاً وخمسين سنة، واستشهد بأربعة أبيات من أجمل ما قيلت في الهرِم وتغيراته: إذا ما امرؤ عاش الهنيدة سالماً وخمسين عاماً بعد ذاك وأربعا تبدّل مُرّ العيش من بعد حلوه وأوشك أن يبلى وأن يتسعسعا رهينة قعر البيت ليس يريمه لقي ثاويا لا يبرح المهد مضجعا يخبّر عمّن مات حتى كأنّما رأى الصّعب ذا القرنين أو رأى تُبّعا وعن سنة وفاته أشار ابن حجر في كتابة الإصابة في تمييز الصحابة أنه قُتل مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه (40ه). عبدالرحمن المقيطيف Your browser does not support the video tag.