لعل أول وأهم اكتشاف عرفه الإنسان قبل ظهور الحضارات اكتشاف النار، فقد غيّرت النار حياة الإنسان حول كل شيء، تغير طعامه وأصبح يطهو بالنار ويغلي الماء، وبالنار لوى الحديد، وبها تدفأ، وكوى جروحه، تحسنت نظافة طعامه وصحته وطال عمره وزادت إنتاجيته ومساحة حركته فبضوء النار أصبح يسير في ظلام الليل، ويدخل الكهوف، أعطته النار في الماضي أكثر مما أعطتنا الكهرباء اليوم، وبرغم التغير الجذري الذي صنعته النار في حياة الإنسان فإن قدرة إشعال النار جاءت مصادفة من أحد الرعاة، وربما لم يبالِ الكثيرون في البداية بقيمة هذه النار لأن اهتمام الغالبية هو توفير غذائهم لكنّها (فوضى) الاكتشاف. حياة الإنسان ظلت متشابهة إلى اليوم، فالغالبية يهمها دخلها الذي يكفي احتياجاتها، لكن عندما يكون الإنسان في بيئة عامرة بالفرص فإن الطموح البشري يتألق.. طور ستيڤ جوبز الحاسب الآلي ثم عاد وطور الهاتف الذكي. وفي غرفة سكن لطلبة ابتكر الشاب العنيد (مارك زكربرج) أهم وأكبر موقع للتواصل، وغيرهم الكثير وتحولت أفكارهم إلى شركات عملاقة تخلق الفرص الوظيفية وتدفع النمو الاقتصادي بسرعة لم تعرف من قبل، قد يتساءل البعض بأن هناك مشاكل أكثر وأهم مثل علاج الأمراض السرطانية المكلفة والميؤوس منها وأمراض كثيرة ليس لها علاج مثل الزهايمر وتحديات مهمة مثل الطاقة وأزمة المياه التي تنتظر الإنسان.. مستقبلاً صحيح هذه الاختراعات لم تكن حلولاً مباشرة لتحديات الإنسان لكنها رفعت مستوى البيئة المعرفية للإنسان ونظامه الاقتصادي وبالتالي أصبحت تحديات الإنسان أكثر وضوحاً وتحديداً. هنا يأتي تساؤل مهم وهو متى يزدهر اقتصاد المعرفة؛ عندما تسيطر عليه الدولة وتوجهه مثل الصين والتي وصل إنفاقها على الأبحاث إلى 279 مليار دولار العام الماضي -ويتوقع أن تتجاوز الولاياتالمتحدة- أم النموذج الأميركي عبر توفير بيئة ذكية تنافسية حرة غير موجهة. في رأي اقتصاد المعرفة هو ثقافة وقيمة نوعية وليست كمية وتبعاً لبحث مهم قامت به الاقتصادية (كارول كرادوا) المختصة بهذا المجال فإن ما ينفق على البحث والتطوير R&D لا يشكل إلا جزءًا صغيراً من الاستثمار في الابتكار فهناك استثمار في غير البحث العلمي بخصوص شبكات الشركة والتدريب والتقنية وتطوير ثقافة الشركة، لكن سبب نجاح كبرى الشركات الصينية هو اعتمادها على شيئين الأول أن منتجاتها رخيصة لكنها تمتلك تقنية تفوق نسبياً سعرها تجدون هذا واضحاً في أجهزة الهواتف الذكية التي تنتجها الصين هي أرخص لكن أقل تقنية من الأميركية، ثانياً تقيد الكثير من الشركات الأجنبية لدخول السوق الصيني، فمثلاً Appl لا تزال حصتها منخفضة في الصين، وFacebook وAmazon محظورتان من الدخول في السوق الصيني، بالتالي يتضح أن استراتيجية شركات التقنية الصينية محدودة على السوق الصيني الضخم بدعم الدولة وتوجيهها لكنها تفقد الكثير من التنافسية خارج هذا السوق. لذلك يقدر أن النموذج الأميركي هو الأكثر قابلية للنمو ليس لأنه قائم على القطاع الخاص -بخلاف الصين القائم على توجيه الدولة- بل لأنه قائم على الإنسان وفضائه الفكري لذلك تجد موظفي وادي السيليكون لا يحتجون على طريقة النقابات العمالية في سبيل حقوق العمال لكن عندما تتأثر مواردهم البشرية مثلما احتج موظفو Google على قانون الهجرة الذي يمكن أن يحرمهم من الكفاءات. أخيراً بالتأكيد الراعي الذي عرف أن يشعل النار لم يعلم بمغامرته بأنه نقل حياة البشرية وجعل قبيلته أقوى وأغنى لكنه بالتأكيد كان مختلفاً عن البقية وكلما زادت الموارد البشرية تضاعفت ثروة المجتمع فهذه قصة بناء الحضارات. Your browser does not support the video tag.